وجملة (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) تعليل للنهي عن اليأس من رحمة الله.
ومادة الغفر ترجع إلى الستر ، وهو يقتضي وجود المستور واحتياجه للستر فدل (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ) على أن الذنوب ثابتة ، أي المؤاخذة بها ثابتة والله يغفرها ، أي يزيل المؤاخذة بها ، وهذه المغفرة تقتضي أسبابا أجملت هنا وفصلت في دلائل أخرى من الكتاب والسنة منها قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) [طه : ٨٢] ، وتلك الدلائل يجمعها أن للغفران أسبابا تطرأ على المذنب ولو لا ذلك لكانت المؤاخذة بالذنوب عبثا ينزه عنه الحكيم تعالى ، كيف وقد سماها ذنوبا وتوعد عليها فكان قوله : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ) دعوة إلى تطلب أسباب هذه المغفرة فإذا طلبها المذنب عرف تفصيلها. و (جَمِيعاً) حال من (الذُّنُوبَ) ، أي حال جميعها ، أي عمومها ، فيغفر كل ذنب منها إن حصلت من المذنب أسباب ذلك. وسيأتي الكلام على كلمة (جميع) عند قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) في هذه السورة [٦٧].
وجملة (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) تعليل لجملة (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) أي لا يعجزه أن يغفر جميع الذنوب ما بلغ جميعها من الكثرة لأنه شديد الغفران شديد الرحمة. فبطل بهذه الآية قول المرجئة إنه لا يضر مع الإيمان شيء.
(وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤))
لما فتح لهم باب الرجاء أعقبه بالإرشاد إلى وسيلة المغفرة معطوفا بالواو وللدلالة على الجمع بين النهي عن القنوط من الرحمة وبين الإنابة جمعا يقتضي المبادرة ، وهي أيضا مقتضى صيغة الأمر.
والإنابة : التوبة ولما فيها وفي التوبة من معنى الرجوع عدّي الفعلان بحرف إلى. والمعنى: توبوا إلى الله مما كنتم فيه من الشرك بأن توحدوه.
وعطف عليه الأمر بالإسلام ، أي التصديق بالنبيء صلىاللهعليهوسلم والقرآن واتباع شرائع الإسلام.
وفي قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ) إيذان بوعيد قريب إن لم ينيبوا ويسلموا كما يلمح إليه فعل (يَأْتِيَكُمُ). والتعريف في العذاب تعريف الجنس ، وهو يقتضي أنهم إن لم ينيبوا ويسلموا يأتهم العذاب. والعذاب منه ما يحصل في الدنيا إن شاءه الله وهذا