(أَنْ تَقُولَ) تعليل للأوامر في قوله : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) [الزمر : ٥٤] و (اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ) [الزمر : ٥٥] على حذف لام التعليل مع (أن) وهو كثير.
وفيه حذف لا النافية بعد (أَنْ) ، وهو شائع أيضا كقوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) [الأنعام : ١٥٥ ـ ١٥٧] ، وكقوله : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) [النساء : ١٣٥]. وعادة صاحب «الكشاف» تقدير : كراهية أن تفعلوا كذا. وتقدير (لا) النافية أظهر لكثرة التصرف فيها في كلام العرب بالحذف والزيادة.
والمعنى : لئلا تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله. وظاهر القول إنه القول جهرة وهو شأن الذي ضاق صبره عن إخفاء ندامته في نفسه فيصرح بما حدّث به نفسه فتكون هذه الندامة المصرح بها زائدة على التي أسرّها ، ويجوز أن يكون قولا باطنا في النفس. وتنكير (نَفْسٌ) للنوعية ، أي أن يقول صنف من النفوس وهي نفوس المشركين فهو كقوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) [التكوير : ١٤]. وقول لبيد :
أو يعتلق بعض النفوس حمامها
يريد نفسه.
وحرف (يا) في قوله : (يا حَسْرَتى) استعارة مكنية بتشبيه الحسرة بالعاقل الذي ينادي ليقبل ، أي هذا وقتك فاحضري ، والنداء من روادف المشبه به المحذوف ، أي يا حسرتي احضري فأنا محتاج إليك ، أي إلى التحسر ، وشاع ذلك في كلامهم حتى صارت هذه الكلمة كالمثل لشدة التحسر.
والحسرة : الندامة الشديدة. والألف عوض عن ياء المتكلم.
وقرأ أبو جعفر وحده يا حسرتاي بالجمع بين ياء المتكلم والألف التي جعلت عوضا عن الياء في قولهم : (يا حَسْرَتى). والأشهر عن أبي جعفر أن الياء التي بعد الألف مفتوحة. وتعدية الحسرة بحرف الاستعلاء كما هو غالبها للدلالة على تمكن التحسر من مدخول (عَلى).
و (ما) في (ما فَرَّطْتُ) صدرية ، أي على تفريطي في جنب الله.
والتفريط : التضييع والتقصير ، يقال : فرّطه. والأكثر أن يقال : فرّط فيه. والجنب