اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام : ٥٣] ، وكقول أبي مسعود الأنصاري للمغيرة بن شعبة حين كان أمير الكوفة وقد أخر الصلاة يوما «ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلّى فصلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم». وكقول الحجاج في خطبته في أهل الكوفة «ألستم أصحابي بالأهواز حين رمتم الغدر» إلخ.
والتكبر : شدة الكبر ، ومن أوصاف الله تعالى المتكبر ، والكبر : إظهار المرء التعاظم على غيره لأنه يعدّ نفسه عظيما. وتعريف المتكبرين هنا للاستغراق ، وأصحاب التكبر مراتب أقواها الشرك ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر : ٦٠] وهو المعني بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه حبة خردل من إيمان» أخرجه مسلم عن ابن مسعود ، ألا ترى أنه قابله بالإيمان ، ودونه مراتب كثيرة متفاوتة في قوة حقيقة ماهية التكبر ، وكلها مذمومة. وما يدور على الألسن : أن الكبر على أهل الكبر عبادة ، فليس بصحيح.
وفي وصفهم بالمتكبرين إيماء إلى أن عقابهم بتسويد وجوههم كان مناسبا لكبريائهم لأن المتكبر إذا كان سيّئ الوجه انكسرت كبرياؤه لأن الكبرياء تضعف بمقدار شعور صاحبها بمعرفة الناس نقائصه.
(وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١))
عطف على جملة (تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر : ٦٠] إلى آخرها ، أي وينجي الله الذين اتقوا من جهنم لأنهم ليسوا بمتكبرين. وهذا إيذان بأن التقوى تنافي التكبر لأن التقوى كمال الخلق الشرعي وتقتضي اجتناب المنهيات وامتثال الأمر في الظاهر والباطن ، والكبر مرض قلبي باطني فإذا كان الكبر ملقيا صاحبه في النار بحكم قوله : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر : ٦٠] فضد أولئك ناجون منها وهم المتقون إذ التقوى تحول دون أسباب العقاب التي منها الكبر ، فالذين اتقوا هم أهل التقوى وهي معروفة ، ولذلك ففعل (اتَّقَوْا) منزل منزلة اللازم لا يقدّر له مفعول.
والمفازة يجوز أن تكون مصدرا ميميا للفوز وهو الفلاح ، مثل المتاب وقوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) [النبأ : ٣١] ، ولحاق التاء به من قبيل لحاق هاء التأنيث بالمصدر في نحو قوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) [الواقعة : ٢]. وتقدم ذلك في اسم سورة الفاتحة وعند قوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) في آل عمران [١٨٨] ، والباء