(قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤))
هذا نتيجة المقدمات وهو المقصود بالإثبات ، فالفاء في قوله : (أَفَغَيْرَ اللهِ) لتفريع الكلام المأمور الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يقوله على الكلام الموحى به إليه ليقرع به أسماعهم ، فإن الحقائق المتقدمة موجهة إلى المشركين فبعد تقررها عندهم وإنذارهم على مخالفة حالهم لما تقتضيه تلك الحقائق أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يوجّه إليهم هذا الاستفهام الإنكاري منوعا على ما قبله إذ كانت أنفسهم قد خسئت بما جبهها من الكلام السابق تأييسها لهم من محاولة صرف الرسول صلىاللهعليهوسلم عن التوحيد إلى عبادة غير الله.
وتوسط فعل (قُلْ) اعتراض بين التفريع والمفرّع عنه لتصيير المقام لخطاب المشركين خاصة بعد أن كان مقام الكلام قبله مقام البيان لكل سامع من المؤمنين وغيرهم ، فكان قوله : (قُلْ) هو الواسطة في جعل التفريع خاصّا بهم ، وهذا من بديع النظم ووفرة المعاني وهو حقيق بأن نسميه «تلوين البساط».
و (فَغَيْرَ اللهِ) منصوب ب (أَعْبُدُ) الذي هو متعلق ب (تَأْمُرُونِّي) على حذف حرف الجر مع (أن) وحذف حرف الجر مع (أن) كثير فقوله : (أَعْبُدُ) على تقدير : أن أعبد فلما حذف الجار المتعلق ب (تَأْمُرُونِّي) حذفت (أن) التي كانت متصلة به ، كما حذفت في قول طرفه :
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى |
|
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي |
وهذا استعمال جائز عند أبي الحسن الأخفش وابن مالك ونحاة الأندلس.
والجمهور يمنعونه ويجعلون قوله : (أَعْبُدُ) هو المستفهم عنه ، وفعل (تَأْمُرُونِّي) اعتراضا أو حالا ، والتقدير : أأعبد غير الله حال كونكم تأمرونني بذلك ، ومنه قولهم في المثل : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، وفي الحديث «وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو تحمل عليها متاعه صدقة».
وقرأ نافع (تَأْمُرُونِّي) بنون واحدة خفيفة على حذف واحدة من النونين اللتين همانون الرفع ونون الوقاية على الخلاف في المحذوفة وهو كثير في القرآن كقوله : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [الحجر : ٥٤] ، وفتح نافع ياء المتكلم للتخفيف والتفادي من المدّ. وقرأ الجمهور (تَأْمُرُونِّي) بتشديد النون إدغاما للنونين مع تسكين الياء للتخفيف. وقرأ ابن كثير بتشديد النون وفتح الياء. وقرأ ابن عامر تأمرونني بإظهار النونين وتسكين الياء.