ونداؤهم بوصف الجاهلين تقريع لهم بعد أن وصفوا بالخسران ليجمع لهم بين نقص الآخرة ونقص الدنيا. والجهل هنا ضد العلم لأنهم جهلوا دلالة الدلائل المتقدمة فلم تفد منهم شيئا فعموا عن دلائل الوحدانية التي هي بمرأى منهم ومسمع فجهلوا دلالتها على الصانع الواحد ولم يكفهم هذا الحظ من الجهل حتى تدلّوا إلى حضيض عبادة أجسام من الصخر الأصم. وإطلاق الجهل على ضد العلم إطلاق عربي قديم قال النابغة :
يخبرك ذو عرضهم عني وعالمهم |
|
وليس جاهل شيء مثل من علما |
وقال السموأل أو عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي :
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم |
|
فليس سواء عالم وجهول |
وحذف مفعول (الْجاهِلُونَ) لتنزيل الفعل منزلة اللازم كأنّ الجهل صار لهم سجية فلا يفقهون شيئا فهم جاهلون بما أفادته الدلائل من الوحدانية التي لو علموها لما أشركوا ولما دعوا النبي صلىاللهعليهوسلم إلى اتباع شركهم ، وهم جاهلون بمراتب النفوس الكاملة جهلا أطمعهم أن يصرفوا النبي صلىاللهعليهوسلم عن التوحيد وأن يستزّلوه بخزعبلاتهم وإطماعهم إياه أن يعبدوا الله إن هو شاركهم في عبادة أصنامهم يحسبون الدّين مساومة ومغابنة وتطفيفا.
[٦٥ ـ ٦٦] (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦))
تأييد لأمره بأن يقول للمشركين تلك المقالة مقالة إنكار أن يطمعوا منه في عبادة الله ، بأنه قول استحقوا أن يرموا بغلظته لأنهم جاهلون بالأدلة وجاهلون بنفس الرسول وزكائها. وأعقب بأنهم جاهلون بأن التوحيد هو سنة الأنبياء وأنهم لا يتطرق الإشراك حوالي قلوبهم ، فالمقصود الأهم من هذا الخبر التعريض بالمشركين إذ حاولوا النبي صلىاللهعليهوسلم على الاعتراف بإلهية أصنامهم.
والواو عاطفة على جملة (قُلْ) [الزمر : ٦٤]. وتأكيد الخبر بلام القسم وبحرف (قد) تأكيد لما فيه من التعريض للمشركين.
والوحي : الإعلام من الله بواسطة الملك. والذين من قبله هم الأنبياء والمرسلون. فالمراد القبلية في صفة النبوءة ف (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) مراد به الأنبياء.
وجملة (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) مبيّنة لمعنى أوحي كقوله تعالى : (فَوَسْوَسَ