إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) [طه : ١٢٠].
والتاء في (أَشْرَكْتَ) تاء الخطاب لكل من أوحي إليه بمضمون هذه الجملة من الأنبياء فتكون الجملة بيانا لما أوحي إليه وإلى الذين من قبله. ويجوز أن يكون الخطاب للنبيصلىاللهعليهوسلم فتكون الجملة بيانا لجملة (أُوحِيَ إِلَيْكَ) ، ويكون (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) اعتراضا لأن البيان تابع للمبين عمومه ونحوه. وأيّا ما كان فالمقصود بالخطاب تعريض بقوم الذي أوحى إليه لأن فرض إشراك النبي صلىاللهعليهوسلم غير متوقّع. واللام في (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) موطئة للقسم المحذوف دالة عليه ، واللام في (لَيَحْبَطَنَ) لام جواب القسم.
والحبط : البطلان والدحض ، حبط عمله : ذهب باطلا. والمراد بالعمل هنا : العمل الصالح الذي يرجى منه الجزاء الحسن الأبدي.
ومعنى حبطه : أن يكون لغوا غير مجازى عليه. وتقدم حكم الإشراك بعد الإيمان ، وحكم رجوع ثواب العمل لصاحبه إن عاد إلى الإيمان بعد أن أبطل إيمانه عند قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) في سورة البقرة [٢١٧].
ثم عطف عليه أن صاحب الإشراك من الخاسرين ، شبه حاله حينئذ بحال التاجر الذي أخرج مالا ليربح فيه زيادة مال فعاد وقد ذهب ماله الذي كان بيده أو أكثره ، فالكلام تمثيل لحال من أشرك بعد التوحيد فإن الإشراك قد طلب به مبتكروه زيادة القرب من الله إذ قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] فكان حالهم كحال التاجر الذي طلب الزيادة على ما عنده من المال ولكنه طلب الربح من غير بابه ، فباء بخسرانه وتبابه. وفي تقدير فرض وقوع الإشراك من الرسول والذين من قبله مع تحقق عصمتهم التنبيه على عظم أمر التوحيد وخطر الإشراك ليعلم الناس أن أعلى الدرجات في الفضل لو فرض أن يأتي عليها الإشراك لما أبقى منها أثرا ولدحضها دحضا.
و (بَلِ) لإبطال مضمون جملة (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) أي بل لا تشرك ، أو لإبطال مضمون جملة (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ).
والفاء في قوله : (فَاعْبُدْ) يظهر أنها تفريع على التحذير من حبط العمل ومن الخسران فحصل باجتماع (بَلِ) والفاء ، في صدر الجملة ، أن جمعت غرضين : غرض