راجحا على جانب الداعي الآخر فقد اختلفوا في أنه هل يفيد أو لا ا ه.
وذكر أبو إسحاق الشاطبي : أن الغزالي ـ أي في كتاب النية من الربع الرابع من «الإحياء» ـ يذهب إلى أن ما كان فيه داعي غير الطاعة مرجوحا أنه ينافي الإخلاص. وعلامته أن تصير الطاعة أخف على العبد بسبب ما فيها من غرض ، وأن أبا بكر بن العربي ـ أي في كتاب «سراج المريدين» كما نقله في «المعيار» ـ يذهب إلى أن ذلك لا يقدح في الإخلاص.
ـ قال الشاطبي ـ : وكان مجال النظر في المسألة يلتفت إلى انفكاك القصدين أو عدم انفكاكهما ، فالغزالي يلتفت إلى مجرد وجود اجتماع القصدين سواء كان القصدان مما يصح انفكاكهما أو لا ، وابن العربي يلتفت إلى وجه الانفكاك).
فهذه مسألة دقيقة ألحقناها بتفسير الآية لتعلقها بالإخلاص المراد في الآية ، وللتنبيه على التشابه العارض بين المقاصد التي تقارن قصد العبادة وبين إشراك المعبود في العبادة بغيره.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
عطف على جملة (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) لزيادة تحقيق معنى الإخلاص لله في العبادة وأنه خلوص كامل لا يشوبه شيء من الإشراك ولا إشراك الذين زعموا أنهم اتخذوا أولياء وعبدوهم حرصا على القرب من الله يزعمونه عذرا لهم فقولهم من فساد الوضع وقلب حقيقة العبادة بأن جعلوا عبادة غير الله وسيلة إلى القرب من الله فنقضوا بهذه الوسيلة مقصدها وتطلبوا القربة بما أبعدها ، والوسيلة إذا أفضت إلى إبطال المقصد كان التوسل بها ضربا من العبث.
واسم الموصول مراد به المشركون وهو في محلّ رفع على الابتداء وخبره جملة (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ). وجملة (ما نَعْبُدُهُمْ) مقول لقول محذوف لأن نظمها يقتضي ذلك إذ ليس في الكلام ما يصلح لأن يعود عليه نون المتكلم ومعه غيره ، فتعين أنه ضمير عائد إلى المبتدأ ، أي هم المتكلمون به وبما يليه ، وفعل القول محذوف وهو كثير ، وهذا القول المحذوف يجوز أن يقدر بصيغة اسم الفاعل فيكون حالا من (الَّذِينَ اتَّخَذُوا) أي قائلين : ما نعبدهم ، ويجوز أن يقدر بصيغة الفعل. والتقدير : قالوا ما نعبدهم ، وتكون الجملة حينئذ بدل اشتمال من جملة (اتَّخَذُوا) فإن اتخاذهم الأولياء اشتمل على هذه المقالة.