وهذا إيماء إلى تعطيل حركة الأرض وانقماع مظاهرها إذ تصبح في عالم الآخرة شيئا موجودا لا عمل له وذلك بزوال نظام الجاذبية وانقراض أسباب الحياة التي كانت تمد الموجودات الحية على سطح الأرض من حيوان ونبات.
وطيّ السماوات : استعارة مكنية لتشويش تنسيقها واختلال أبعاد أجرامها ، فإن الطي ردّ ولفّ بعض شقق الثوب أو الورق على بعض بعد أن كانت مبسوطة منتشرة على نسق مناسب للمقصود من نشره فإذا انتهى المقصود طوي المنشور ، قال تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : ١٠٤]. وإثبات الطي تخييل.
والباء في (بِيَمِينِهِ) للآلة والسببية. واليمين : وصف لليد ولا يد هنا وإنما هي كناية عن القدرة لأن العمل يكون باليد اليمين قال الشاعر أنشده الفرّاء والمبرد ، قال القرطبي :
ولما رأيت الشمس أشرق نورها |
|
تناولت منها حاجتي بيمين |
أي بقدرة. وضمير (منها) يعود على مذكور في أبيات قبله.
والمقصود من هاتين الجملتين تمثيل عظمة الله تعالى بحال من أخذ الأرض في قبضته ومن كانت السماوات مطوية أفلاكها وآفاقها بيده تشبيه المعقول بالمتخيّل وهي تمثيلية تنحل أجزاؤها إلى استعارتين ، وفيها دلالة على أن الأرض والسماوات باقية غير مضمحلة ولكن نظامهما المعهود اعتراه تعطيل ، وفي «الصحيح» عن أبي هريرة قال سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يقول : «يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض». وعن عبد الله بن مسعود قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال: يا محمد إنّا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثّرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع. فيقول أنا الملك ، فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
ومعنى قوله : ثم قرأ هذه الآية ، نزلت قبل ذلك لأنها مما نزل بمكة. والحبر من أحبار يهود المدينة ، وقول الراوي : تصديقا لقول الحبر ، مدرج في الحديث من فهم الراوي كما جزم به أبو العباس القرطبي في كتابه : «المفهم على صحيح مسلم» ، وقال