وأرادوا ب (الْعامِلِينَ) أنفسهم ، أي عاملي الخير ، وهذا من التصريح بالحقائق فليس فيه عيب تزكية النفس ، لأن ذلك العالم عالم الحقائق الكاملة المجردة عن شوب النقائص.
واعلم أن الآيات وصفت مصير أهل الكفر ومصير المتقين يوم الحشر ، وسكتت عن مصير أهل المعاصي الذين لم يلتحقوا بالمتقين بالتوبة من الكبائر وغفران الصغائر باجتناب الكبائر ، وهذه عادة القرآن في الإعراض عن وصف رجال من الأمة الإسلامية بمعصية ربهم إلا عند الاقتضاء لبيان الأحكام ، فإن الكبائر من أمر الجاهلية فما كان لأهل الإسلام أن يقعوا فيها فإذا وقعوا فيها فعليهم بالتوبة ، فإذا ماتوا غير تائبين فإن الله تعالى يحصي لهم حسنات أعمالهم وطيبات نواياهم فيقاصّهم بها إن شاء ، ثم هم فيما دون ذلك يقتربون من العقاب بمقدار اقترابهم من حال أهل الكفر في وفرة المعاصي فيؤمر بهم إلى النار ، أو إلى الجنة ، ومنهم أهل الأعراف. وقد تقدمت نبذة من هذا الشأن في سورة الأعراف.
(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥))
(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ).
عطف على ما قبله من ذكر أحوال يوم القيامة التي عطف بعضها على بعض ابتداء من قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الزمر : ٦٨] إن من جملة تلك الأحوال حف الملائكة حول العرش.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم فيكون إيذانا بأنها رؤية دنو من العرش وملائكته ، وذلك تكريم له بأن يكون قد حواه موكب الملائكة الذين حول العرش.
والحفّ : الإحداق بالشيء والكون بجوانبه.
وجملة (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) حال ، أي يقولون أقوالا تدل على تنزيه الله تعالى وتعظيمه ملابسة لحمدهم إياه. فالباء في (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) للملابسة تتعلق ب (يُسَبِّحُونَ).
وفي استحضار الله تعالى بوصف ربهم إيماء إلى أن قربهم من العرش ترفيع في مقام العبودية الملازمة للخلائق.
(وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ).