(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢))
القول فيه كالقول في فاتحة سورة الزمر. ويزاد هنا أن المقصود بتوجيه هذا الخبر هم المشركون المنكرون أن القرآن منزل من عند الله. فتجريد الخبر عن المؤكد إخراج له على خلاف مقتضى الظاهر بجعل المنكر كغير المنكر لأنه يحف به من الأدلة ما إن تأمّله ارتدع عن إنكاره فما كان من حقه أن ينكر ذلك.
(غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣))
أجريت على اسم الله ستة نعوت معارف ، بعضها بحرف التعريف وبعضها بالإضافة إلى معرّف بالحرف.
ووصف الله بوصفي (الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [غافر : ٢] هنا تعريض بأن منكري تنزيل الكتاب منه مغلوبون مقهورون ، وبأن الله يعلم ما تكنّه نفوسهم فهو محاسبهم على ذلك ، ورمز إلى أن القرآن كلام العزيز العليم فلا يقدر غير الله على مثله ولا يعلم غير الله أن يأتي بمثله.
وهذا وجه المخالفة بين هذه الآية ونظيرتها من أول سورة الزمر التي جاء فيها وصف (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [الزمر : ١] على أنه يتأتى في الوصف بالعلم ما تأتّى في بعض احتمالات وصف (الْحَكِيمِ) في سورة الزمر. ويتأتى في الوصفين أيضا ما تأتّى هنالك من طريقي إعجاز القرآن. وفي ذكرهما رمز إلى أن الله أعلم حيث يجعل رسالته وأنه لا يجاري أهواء الناس فيمن يرشحونه لذلك من كبرائهم (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١].
وفي اتباع الوصفين العظيمين بأوصاف (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) ترشيح لذلك التعريض كأنه يقول : إن كنتم أذنبتم بالكفر بالقرآن فإن تدارك ذنبكم في مكنتكم لأن الله مقرّر اتصافه بقبول التوبة وبغفران الذنب فكما غفر لمن تابوا من الأمم فقبل إيمانهم يغفر لمن يتوب منكم.
وتقديم (غافِرِ) على (قابِلِ التَّوْبِ) مع أنه مرتب عليه في الحصول للاهتمام بتعجيل الإعلام به لمن استعدّ لتدارك أمره فوصف (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ) تعريض بالترغيب ، وصفتا (شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) تعريض بالترهيب. والتوب : مصدر تاب،