بأنهم يستغفرون للذين آمنوا فذلك هو المقصود من الخبر ، فقدم له ما فيه تحقيق استجابة استغفارهم لصدوره ممن دأبهم التسبيح وصفتهم الإيمان.
وصيغة المضارع في (يُسَبِّحُونَ) و (يُؤْمِنُونَ) و (يَسْتَغْفِرُونَ) مفيدة لتجدد ذلك وتكرره ، وذلك مشعر بأن المراد أنهم يفعلون ذلك في الدنيا كما هو الملائم لقوله : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) وقوله : (وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) [غافر : ٨] وقوله : (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ) [غافر : ٩] إلخ وقد قال في الآية الأخرى (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٥] أي من المؤمنين كما تقدم.
ومعنى تجدد الإيمان المستفاد من (وَيُؤْمِنُونَ) تجدد ملاحظته في نفوس الملائكة وإلا فإن الإيمان عقد ثابت في النفوس وإنما تجدده بتجدد دلائله وآثاره. وفائدة الإخبار عنهم بأنهم يؤمنون مع كونه معلوما في جانب الملائكة التنويه بشأن الإيمان بأنه حال الملائكة ، والتعريض بالمشركين أن لم يكونوا مثل أشرف أجناس المخلوقات مثل قوله تعالى في حق إبراهيم (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٦١].
وجملة (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) مبيّنة ل (يَسْتَغْفِرُونَ) ، وفيها قول محذوف دلت عليه طريقة التكلم في قولهم : (رَبَّنا).
والباء في (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) للملابسة ، أي يسبحون الله تسبيحا مصاحبا للحمد ، فحذف مفعول (يُسَبِّحُونَ) لدلالة المتعلّق به عليه.
والمراد ب (لِلَّذِينَ آمَنُوا) المؤمنون المعهودون وهم المؤمنون بمحمد صلىاللهعليهوسلم لأنهم المقصود في هذا المقام وإن كان صالحا لكل المؤمنين.
وافتتح دعاء الملائكة للمؤمنين بالنداء لأنه أدخل في التضرع وأرجى للإجابة ، وتوجهوا إلى الله بالثناء بسعة رحمته وعلمه لأن سعة الرحمة مما يطمع باستجابة الغفران ، وسعة العلم تتعلق بثبوت إيمان الذين آمنوا.
ومعنى السعة في الصفتين كثرة تعلقاتهما ، وذكر سعة العلم كناية عن يقينهم بصدق إيمان المؤمنين فهو بمنزلة قول القائل ، أنت تعلم أنهم آمنوا بك ووحّدوك.
وجيء في وصفه تعالى بالرحمة الواسعة والعلم الواسع بأسلوب التمييز المحوّل عن النسبة لما في تركيبه من المبالغة بإسناد السعة إلى الذات ظاهرا حتى كأنّ ذاته هي التي وسعت ، فذلك إجمال يستشرف به السامع إلى ما يرد بعده فيجيء بعده التمييز المبيّن لنسبة السعة أنها من جانب الرحمة وجانب العلم ، وهي فائدة تمييز النسبة في كلام العرب ، لأن