الأجسام لكنه شاع إطلاقه على القوة في المعاني. ولما كان مقتهم أنفسهم حرمهم من الإيمان الذي هو سبب النجاة والصلاح وكان غضب الله عليهم أوقعهم في العذاب كان مقت الله إياهم أشدّ وأنكى من مقتهم أنفسهم لأن شدة الإيلام أقوى من الحرمان من الخير. والمقت الأول قريب من قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] ، والمقت الثاني قريب من قوله تعالى : (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) [فاطر : ٣٩] وهو مقت العذاب. هذا هو الوجه في تفسير الآية الملاقي لتناسق نظمها ، وللمفسرين فيها وجوه أخر تدنو وتبعد مما ذكرنا فاستعرضها واحكم فيها.
و (أَنْفُسَكُمْ) يتنازعه (لَمَقْتُ اللهِ) ، و (مَقْتِكُمْ) فهو مفعول المصدرين المضافين إلى فاعليهما.
وبني فعل (تُدْعَوْنَ) إلى النائب للعلم بالفاعل لظهور أن الداعي هو الرسولصلىاللهعليهوسلم أو الرسل عليهمالسلام. وتفريع (فَتَكْفُرُونَ) بالفاء على (تُدْعَوْنَ) يفيد أنهم أعقبوا الدعوة بالكفر ، أي بتجديد كفرهم السابق وبإعلانه أي دون أن يتمهلوا مهلة النظر والتدبر فيما دعوا إليه.
(قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١))
جواب عن النداء الذي نودوا به من قبل الله تعالى فحكي مقالهم على طريقة حكاية المحاورات بحذف حرف العطف ، طمعوا أن يكون اعترافهم بذنوبهم وسيلة إلى منحهم خروجا من العذاب خروجا ما ليستريحوا منه ولو بعض الزمن ، وذلك لأن النداء الموجه إليهم من قبل الله أوهمهم أن فيه إقبالا عليهم.
والمقصود من الاعتراف هو اعترافهم بالحياة الثانية لأنهم كانوا ينكرونها وأما الموتتان والحياة الأولى فإنما ذكرن إدماجا للاستدلال في صلب الاعتراف تزلفا منهم ، أي أيقنّا أن الحياة الثانية حق وذلك تعريض بأن إقرارهم صدق لا مواربة فيه ولا تصنع لأنه حاصل عن دليل ، ولذلك جعل مسببا على هذا الكلام بعطفه بفاء السببية في قوله : (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا).
والمراد بإحدى الموتتين : الحالة التي يكون بها الجنين لحما لا حياة فيه في أول