والتوفيق : خلق القدرة على الطاعة فنفي هداية الله عنهم كناية عن نفي توفيقه ولطفه لأن الهداية مسببة عن التوفيق فعبر بنفي المسبب عن نفي السبب. وكذبهم هو ما اختلقوه من الكفر بتأليه الأصنام ، وما ينشأ عن ذلك من اختلاق صفات وهمية للأصنام وشرائع يدينون بها لهم.
والكفّار : الشديد الكفر البليغة ، وذلك كفرهم بالله وبالرسول صلىاللهعليهوسلم وبالقرآن بإعراضهم عن تلقّيه ، والتجرد عن الموانع للتدبر فيه. وعلم من مقارنة وصفهم بالكذب بوصفهم بالأبلغية في الكفر أنهم متبالغون في الكذب أيضا لأن كذبهم المذموم إنما هو كذبهم في كفرياتهم فلزم من مبالغة الكفر مبالغة الكذب فيه.
(لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤))
موقع هذه الآية موقع الاحتجاج على أن المشركين كاذبون وكفّارون في اتخاذهم أولياء من دون الله ، وفي قولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ) [الزمر : ٣] وأن الله حرمهم الهدى وذلك ما تضمنه قوله قبله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر : ٣] ، فقصد إبطال شركهم بإبطال أقواه وهو عدّهم في جملة شركائهم شركاء زعموا لهم بنوّة لله تعالى ، حيث قالوا : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [البقرة : ١١٦] فإن المشركين يزعمون اللات والعزى ومناة بنات الله قال تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) [النجم : ١٩ ـ ٢١].
قال في «الكشاف» هنالك : «كانوا يقولون : إن الملائكة وهذه الأصنام (يعني هذه الثلاثة) بنات الله» وذكر البغوي عن الكلبي كان المشركون بمكة يقولون : الأصنام والملائكة بنات الله فخص الاعتقاد بأهل مكة ، والظاهر أن ذلك لم يقولوه في غير اللات والعزّى ومناة ، لأن أسماءها مؤنثة ، وإلّا فإن في أسماء كثير من أسماء أصنامهم ما هو مذكّر نحو ذي الخلصة ، وذكر في «الكشاف» عند ذكر البسملة أنهم كانوا يقولون عند الشروع في أعمالهم : باسم اللات ، باسم العزّى.
فالمقصود من هذه الآية إبطال إلهية أصنام المشركين على طريقة المذهب الكلامي. واعلم أن هذه الآية والآيات بعدها اشتملت على حجج انفراد الله.
ومعنى الآية : لو كان الله متخذا ولدا لاختار من مخلوقاته ما يشاء اختياره ، أي