فجملة (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) إنشاء إقرار بالذنوب ولذلك جيء فيه بالفعل الماضي كما هو غالب صيغ الخبر المستعمل في الإنشاء مثل صيغ العقود نحو : بعت. والمعنى : نعترف بذنوبنا.
وجعلوا هذا الاعتراف ضربا من التوبة توهما منهم أن التوبة تنفع يومئذ ، فلذلك فرعوا عليه : (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) ، فالاستفهام مستعمل في العرض والاستعطاف كليا لرفع العذاب ، وقد تكرر في القرآن حكاية سؤال أهل النار الخروج أو التخفيف ولو يوما.
والاستفهام بحرف هل مستعمل في الاستعطاف. وحرف (مِنْ) زائد لتوكيد العموم الذي في النكرة ليفيد تطلبهم كل سبيل للخروج وشأن زيادة (مِنْ) أن تكون في النفي وما في معناه دون الإثبات. وقد عدّ الاستفهام بهل خاصة من مواقع زيادة (مِنْ) لتوكيد العموم كقوله تعالى : (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠] ، وتقدم ذلك عند قوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) في سورة الأعراف [٥٣] ، وأن وجه اختصاص هل بوقوع (مِنْ) الزائدة في المستفهم عنه بها أنه كثر استعمال الاستفهام بها في معنى النفي ، وزيادة (مِنْ) حينئذ لتأكيد النفي وتنصيص عموم النفي ، فخف وقوعها بعد هل على ألسن أهل الاستعمال.
وتنكير خروج للنّوعية تلطفا في السؤال ، أي إلى شيء من الخروج قليل أو كثير لأن كل خروج ينتفعون به راحة من العذاب كقولهم : (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) [غافر : ٤٩].
والسبيل : الطريق واستعير إلى الوسيلة التي يحصل بها الأمر المرغوب ، وكثر تصرف الاستعمال في إطلاقات السبيل والطريق والمسلك والبلوغ على الوسيلة وبحصول المقصود.
وتنكير (سَبِيلٍ) كتنكير (خُرُوجٍ) أي من وسيلة كيف كانت بحق أو بعفو بتخفيف أو غير ذلك.
قال في «الكشاف» «وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط» يريد أنّ في اقتناعهم بخروج ما دلالة على أنهم يستبعدون حصول الخروج.
(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢))