عدل عن جوابهم بالحرمان من الخروج إلى ذكر سبب وقوعهم في العذاب ، وإذ قد كانوا عالمين به حين قالوا : (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) [غافر : ١١] ، كانت إعادة التوقيف عليه بعد سؤال الصفح عنه كناية عن استدامته وعدم استجابة سؤالهم الخروج منه على وجه يشعر بتحقيرهم. وزيد ذلك تحقيقا بقوله : (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ).
فالإشارة ب (ذلِكُمْ) إلى ما هم فيه من العذاب الذي أنبأ به قوله : (يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [غافر : ١٠] وما عقب به من قولهم : (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) [غافر : ١١].
والباء في (بِأَنَّهُ) للسببية ، أي بسبب كفركم إذا دعي الله وحده. وضمير (بِأَنَّهُ) ضمير الشأن ، وهو مفسر بما بعده من قوله : (إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) ، فالسبب هو مضمون القصة الذي حاصل سبكه : بكفركم بالوحدانية وإيمانكم بالشرك.
و (إِذا) مستعملة هنا في الزمن الماضي لأن دعاء الله واقع في الحياة الدنيا وكذلك كفرهم بوحدانية الله ، فالدعاء الذي مضى مع كفرهم به كان سبب وقوعهم في العذاب.
ومجيء (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) بصيغة المضارع في الفعلين مؤوّل بالماضي بقرينة ما قبله ، وإيثار صيغة المضارع في الفعلين لدلالتهما على تكرر ذلك منهم في الحياة الدنيا فإن لتكرره أثرا في مضاعفة العذاب لهم.
والدعاء : النداء ، والتوجه بالخطاب. وكلا المعنيين يستعمل فيه الدعاء ويطلق الدعاء على العبادة ، كما سيأتي عند قوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) في هذه السورة [٦٠] ، فالمعنى إذا نودي الله بمسمعكم نداء دالا على أنه إله واحد مثل آيات القرآن الدالة على نداء الله بالوحدانية ، فالدعاء هنا الإعلان والذكر ، ولذلك قوبل بقوله : (فَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) ، والدعاء بهذا المعنى أعم من الدعاء بمعنى سؤال الحاجات ولكنه يشمله ، أو إذا عبد الله وحده.
ومعنى (كَفَرْتُمْ) جدّدتم الكفر ، وذلك إمّا بصدور أقوال منهم ينكرون فيها انفراد الله بالإلهية ، وإمّا بملاحظة الكفر ملاحظة جديدة وتذكر آلهتهم. ومعنى : (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) إن يصدر ما يدل على الإشراك بالله من أقوال زعمائهم ورفاقهم الدالة على تعدد الآلهة أو إذا أشرك به في العبادة تؤمنوا ، أي تجددوا الإيمان بتعدد الآلهة في قلوبكم أو تؤيدوا ذلك بأقوال التأييد والزيادة. ومتعلّق (كَفَرْتُمْ) و (تُؤْمِنُوا) محذوفان لدلالة ما قبلهما. والتقدير : كفرتم بتوحيده وتؤمنوا بالشركاء.