وجيء في الشرط الأول ب (إِذا) التي الغالب في شرطها تحقق وقوعه إشارة إلى أن دعاء الله وحده أمر محقق بين المؤمنين لا تخلو عنه أيامهم ولا مجامعهم ، مع ما تفيد (إِذا) من الرغبة في حصول مضمون شرطها.
وجيء في الشرط الثاني بحرف (إِنْ) التي أصلها عدم الجزم بوقوع شرطها ، أو أنّ شرطها أمر مفروض ، مع أن الإشراك محقق تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك المفروض للتنبيه على أن دلائل بطلان الشرك واضحة بأدنى تأمل وتدبر فنزل إشراكهم المحقق منزلة المفروض لأن المقام مشتمل على ما يقلع مضمون الشرط من أصله فلا يصلح إلّا لفرضه على نحو ما يفرض المعدوم موجودا أو المحال ممكنا.
والألف واللام في الحكم للجنس. واللام في (لِلَّهِ) للملك أي جنس الحكم ملك لله ، وهذا يفيد قصر هذا الجنس على الكون لله كما تقدم في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) في سورة الفاتحة [٢] وهو قصر حقيقي إذ لا حكم يوم القيامة لغير الله تعالى.
وبهذه الآية تمسك الحرورية يوم حروراء حين تداعى جيش الكوفة وجيش الشام إلى التحكيم فثارت الحرورية على علي بن أبي طالب وقالوا : لا حكم إلا لله (جعلوا التعريف للجنس والصيغة للقصر) وحدّقوا إلى هذه الآية وأغضوا عن آيات جمّة ، فقال عليّ لما سمعها : «كلمة حقّ أريد بها باطل» اضطرب الناس ولم يتم التحكيم.
وإيثار صفتي (الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) بالذكر هنا لأن معناهما مناسب لحرمانهم من الخروج من النار ، أي لعدم نقض حكم الله عليهم بالخلود في النار ، لأن العلوّ في وصفه تعالى علوّ مجازي اعتباري بمعنى شرف القدر وكماله ، فهو العلي في مراتب الكمالات كلها بالذات ، ومن جملة ما يقتضيه ذلك تمام العلم وتمام العدل ، فلذلك لا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة والعدل.
ووصف (الْكَبِيرِ) كذلك هو كبر مجازي ، وهو قوة صفات كماله ، فإن الكبير قوي وهو الغنيّ المطلق ، وكلا الوصفين صيغ على مثال الصفة المشبهة للدلالة على الاتصاف الذاتي المكين ، وإنما يقبل حكم النقض لأحد أمرين إما لعدم جريه على ما يقتضيه من سبب الحكم وهو النقض لأجل مخالفة الحق وهذا ينافيه وصف (الْعَلِيِ) ، وإمّا لأنه جور ومجاوز للحد ، وهذا ينافيه وصف (الْكَبِيرِ) لأنه يقتضي الغنى عن الجور.
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣))