والمعنى : أن الله أراكم آياته وأنزل لكم الرزق وما يتذكر بذلك إلا المنيبون وأنتم منهم فادعوا الله مخلصين لتوفر دواعي تلك العبادة.
والدعاء هنا الإعلان وذكر الله ونداؤه ويشمل الدعاء بمعنى سؤال الحاجة شمول الأعم للأخص ، وتقدم آنفا أن الدعاء يطلق على العبادة. والأمر مستعمل في طلب الدوام لأن المؤمنين قد دعوا الله مخلصين له ، فالمقصود : دوموا على ذلك ولو كره الكافرون ، لأن كراهية الكافرين ذلك من المؤمنين تكون سببا لمحاولتهم صرفهم عن ذلك بكل وسيلة يجدون إليها سبيلا فيخشى ذلك أن يفتن فريقا من المؤمنين ، فالكراهية كناية عن المقاومة والصدّ لأنهما لازمان للكراهية لأن شأن الكاره أن لا يصبر على دوام ما يكرهه ، فالأمر بقوله : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ) لي نحو الأمر في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٣٦].
وإظهار اسم الجلالة في قوله : (فَادْعُوا اللهَ) لأن الكلام تفريع لاستجداد غرض آخر فجعل مستقلا عما قبله.
وتقدم تفسير (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) في تفسير قوله : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أول سورة الزمر [٢].
وجملة (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) في موضع الحال من فاعل (فَادْعُوا).
و (لَوْ) وصلية تفيد أن شرطها أقصى ما يكون من الأحوال التي يراد تقييد عامل الحال بها ، أي اعبدوه في كل حال حتى في حال كراهية الكافرين ذلك لأن كراهية الكافرين ذلك والمؤمنون بين ظهرانيهم وفي بلاد فيه سلطان الكافرين مظنة لأن يصدهم ذلك عن دعاء الله مخلصين له الدين. وهذا في معنى قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : ٩٤] وقد تقدم تفصيل (لو) هذه عند قوله : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) في سورة آل عمران [٩١].
[١٥ ـ ١٦] (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦))
(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ).