يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ، ولأن الأظهر أن ضمير (لِيُنْذِرَ) عائد إلى (مَنْ يَشاءُ).
ومعنى (مِنْهُمْ) من مجموعهم ، أي من مجموع أحوالهم وشئونهم ، ولهذا أوثر ضمير الجمع لما فيه من الإجمال الصالح لتقدير مضاف مناسب للمقام ، وأوثر أيضا لفظ (شَيْءٌ) لتوغله في العموم ، ولم يقل لا يخفى على الله منهم أحد ، أو لا يخفى على الله من أحد شيء ، أي من أجزاء جسمه ، فالمعنى : لا يخفى على الله شيء من أحوالهم ظاهرها وباطنها.
(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).
مقول لقول محذوف ، وحذف القول من حديث البحر. والتقدير : يقول الله لمن الملك اليوم ، ففعل القول المحذوف جملة في موضع الحال ، أو استئناف بياني جوابا عن سؤال سائل عما ذا يقع بعد بروزهم بين يدي الله.
والاستفهام إما تقريري ليشهد الطغاة من أهل المحشر على أنفسهم أنهم كانوا في الدنيا مخطئين فيما يزعمونه لأنفسهم من ملك لأصنامهم حين يضيفون إليها التصرف في ممالك من الأرض والسماء ، مثل قول اليونان بإله البحر وإله الحرب وإله الحكمة ، وقول أقباط مصر بإله الشمس وإله الموت وإله الحكمة ، وقول العرب باختصاص بعض الأصنام ببعض القبائل مثل اللات لثقيف ، وذي الخلصة لدوس ، ومناة للأوس والخزرج. وكذلك ما يزعمونه لأنفسهم من سلطان على الناس لا يشاركهم فيه غيرهم كقول فرعون : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : ٣٨] وقوله : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١] ، وتلقيب أكاسرة الفرس أنفسهم بلقب : ملك الملوك (شاهنشاه) ، وتلقيب ملوك الهند أنفسهم بلقب ملك الدنيا (شاه جهان). ويفسر هذا المعنى ما في الحديث في صفة يوم الحشر «ثم يقول الله أنا الملك أين ملوك الأرض» استفهاما مرادا منه تخويفهم من الظهور يومئذ ، أي أين هم اليوم لما ذا لم يظهروا بعظمتهم وخيلائهم.
ويجوز أيضا أن يكون الاستفهام كناية عن التشويق إلى ما يرد بعده من الجواب لأن الشأن أن الذي يسمع استفهاما يترقب جوابه فيتمكن من نفسه الجواب عند سماعه فضل تمكّن ، على أن حصول التشويق لا يفوت على اعتبار الاستفهام للتقرير ، وقريب منه : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [البقرة : ١٨٦].
و (الْيَوْمَ) المعرف باللام هو اليوم الحاضر ، وحضوره بالنسبة إلى القول المحكي أنه يقال فيه ، أي اليوم الذي وقع فيه هذا القول كما هو شأن أسماء الزمان الظروف إذا