لاختار ما هو أجدر بالاختيار ولا يختار لبنوته حجارة كما زعمتم لأن شأن الاختيار أن يتعلق بالأحسن من الأشياء المختار منها فبطل أن تكون اللات والعزّى ومناة بنات لله تعالى ، وإذا بطل ذلك عنها بطل عن سائر الأصنام بحكم المساواة أو الأحرى ، فتكون (لَوْ) هنا هي الملقبة (لَوْ) الصهيبية ، أي التي شرطها مفروض فرضا على أقصى احتمال وهي التي يمثلون لها بالمثل المشهور : «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» ، فكان هذا إبطالا لما تضمنه قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ) إلى قوله : (كَفَّارٌ) [الزمر : ٣]. وليس هو إبطالا لمقالة بعض العرب : إن الملائكة بنات الله ، لأن ذلك لم يكن من عقيدة المشركين بمكة الذين وجه الخطاب إليهم ، ولا إبطالا لبنوة المسيح عند النصارى لأن ذلك غير معتقد عند المشركين المخاطبين ولا شعور لهم به ، وليس المقصود محاجّة النصارى ولم يتعرض القرآن المكي إلى محاجّة النصارى.
واعلم أنه بني الدليل على قاعدة استحالة الولد على الله تعالى إذ بني القياس الشرطي على فرض اتخاذ الولد لا على فرض التولّد ، فاقتضى أن المراد باتخاذ الولد التبنّي لأن إبطال التبنّي بهذا الاستدلال يستلزم إبطال تولد الابن بالأولى.
وعزز المقصود من ذكر فعل الاتخاذ بتعقيبه بفعل الاصطفاء على طريقة مجاراة الخصم المخطئ ليغير في مهواة خطئه ، أي لو كان لأحد من الله نسبة بنوة لكانت تلك النسبة التبنّي لا غير إذ لا تتعقل بنوة لله غير التبنّي ولو كان الله متبنّيا لاختار ما هو الأليق بالتبنّي من مخلوقاته دون الحجارة التي زعمتموها بنات لله. وإذا بطلت بنوة تلك الأصنام الثلاثة المزعومة بطلت إلهية سائر الأصنام الأخرى التي اعترفوا بأنها في مرتبة دون مرتبة اللات والعزّى ومناة بطريق الأولى واتفاق الخصمين فقد اقتضى الكلام دليلين : طوي أحدهما وهو دليل استحالة الولد بالمعنى الحقيقي عن الله تعالى ، وذكر دليل إبطال التبنّي لما لا يليق أن يتبناه الحكيم.
هذا وجه تفسير هذه الآية وبيان وقعها مما قبلها وبه تخرج عن نطاق الحيرة التي وقع فيها المفسرون فسلكوا مسالك تعسف في معناها ونظمها وموقعها ، ولم يتم لأحد منهم وجه الملازمة بين شرط (لَوْ) وجوابها ، وسكت بعضهم عن تفسيرها. فوقع في «الكشاف» ما يفيد أن المقصود نفي زعم المشركين بنوة الملائكة وجعل جواب (لَوْ) محذوفا وجعل المذكور في موضع الجواب إرشادا إلى الاعتقاد الصحيح في الملائكة فقال : «يعني لو أراد الله اتخاذ الولد لامتنع ، ولم يصح لكونه (أي ذلك الاتخاذ) محالا