بهم ، وفي هذا تفصيل للإجمال الذي في قوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ). والجملة بعد (أنّ) المفتوحة في تأويل مصدر. فالتقدير : ذلك بسبب تحقق مجيء الرسل إليهم فكفرهم بهم.
وأفاد المضارع في قوله : (تَأْتِيهِمْ) تجدد الإتيان مرة بعد مرة لمجموع تلك الأمم ، أي يأتي لكل أمة منهم رسول ، فجمع الضمير في (تَأْتِيهِمْ) و (رُسُلُهُمْ) وجمع الرسل في قوله : (رُسُلُهُمْ) من مقابلة الجمع بالجمع ، فالمعنى : أن كل أمة منهم أتاها رسول. ولم يؤت بالمضارع في قوله : (فَكَفَرُوا) لأن كفر أولئك الأمم واحد وهو الإشراك وتكذيب الرسل.
وكرر قوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) بعد أن تقدم نظيره في قوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) إلخ إطنابا لتقرير أخذ الله إياهم بكفرهم برسلهم ، وتهويلا على المنذرين بهم أن يساووهم في عاقبتهم كما ساووهم في أسبابها.
وجملة : (إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) تعليل وتبيين لأخذ الله إياهم وكيفيته وسرعة أخذه المستفادة من فاء التعقيب ، فالقويّ لا يعجزه شيء فلا يعطل مراده ولا يتريث ، و (شَدِيدُ الْعِقابِ) بيان لذلك الأخذ على حد قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٤٢].
[٢٣ ـ ٢٤] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤))
هذا ذكر فريق آخر من الأمم لم يشهد العرب آثارهم وهم قوم فرعون أقباط مصر ، وتقدم نظير هذه الآية في أواخر سورة هود. وتقدم ذكر هامان وهو لقب وزير فرعون في سورة القصص. وفي هذه القصة أنها تزيد على ما أجمل من قصص أمم أخرى أن فيها عبرتين : عبرة بكيد المكذبين وعنادهم ثم هلاكهم ، وعبرة بصبر المؤمنين وثباتهم ثم نصرهم ، وفي كلتا العبرتين وعيد ووعد.
وجملة : (فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ) معترضة بين جملة (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى) وبين جملة (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِ) [غافر : ٢٥].
وقارون هو من بني إسرائيل كذب موسى ، وتقدم ذكره في القصص ، وقد قيل إنه كان منقطعا إلى فرعون وخادما له ، وهذا بعيد لأنه كان في زمرة من خرج مع موسى ، أي فاشترك أولئك في رمي رسولهم بالكذب والسحر كما فعلت قريش.