إِلَّا فِي ضَلالٍ). وهو محل الاعتبار لقريش بأن كيد أمثالهم كان مضاعا فكذلك يكون كيدهم. وهذا القتل غير القتل الذي فعله فرعون الذي ولد موسى في زمنه.
وسمي هذا الرأي كيدا لأنهم تشاوروا فيه فيما بينهم دون أن يعلم بذلك موسى والذين آمنوا معه وأنهم أضمروه ولم يعلنوه ثم شغلهم عن إنفاذه ما حلّ بهم من المصائب التي ذكرت في قوله تعالى في سورة الأعراف [١٣٠] : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) الآية ، ثم بقوله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ) [الأعراف : ١٣٣] الآية.
والضلال : الضياع والاضمحلال كقوله : (قالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠] أي هذا الكيد الذي دبروه قد أخذ الله على أيديهم فلم يجدوا لانقاذه سبيلا.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦))
عطف (وَقالَ) بالواو يدل على أنه قال هذا القول في موطن آخر ولم يكن جوابا لقولهم : (اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) [غافر : ٢٥] ، وفي هذا الأسلوب إيماء إلى أن فرعون لم يعمل بإشارة الذين قالوا : (اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) وأنه سكت ولم يراجعهم بتأييد ولا إعراض ، ثم رأى أن الأجدر قتل موسى دون أن يقتل الذين آمنوا معه لأن قتله أقطع لفتنتهم.
ومعنى : (ذَرُونِي) إعلامهم بعزمه بضرب من إظهار ميله لذلك وانتظاره الموافقة عليه بحيث يمثل حاله وحال المخاطبين بحال من يريد فعل شيء فيصدّ عنه ، فلرغبته فيه يقول لمن يصده : دعني أفعل كذا ، لأن ذلك التركيب مما يخاطب به الممانع والملائم ونحوهما ، قال طرفة :
فان كنت لا تستطيع دفع منيتي |
|
فدعني أبادرها بما ملكت يدي |
ثم استعمل هذا في التعبير عن الرغبة ولم يكن ثمة معارض أو ممانع ، وهو استعمال شائع في هذا وما يرادفه مثل : دعني وخلّني ، كما في قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) [المدثر : ١١] وقوله : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) [المزمل : ١١] ، وقول أبي القاسم السهيلي :