يخفى على مجاوريهم.
وجملة (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) معترضة ، والواو اعتراضية وهي اعتراض بين كلاميه المتعاطفين ، أي أخاف عليكم جزاء عادلا من الله وهو جزاء الإشراك.
والظلم يطلق على الشرك (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ، ويطلق على المعاملة بغير الحق ، وقد جمع قوله : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) نفي الظلم بمعنييه على طريقة استعمال المشترك في معنييه. وكذلك فعل (يُرِيدُ) يطلق بمعنى المشيئة كقوله : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) [المائدة : ٦] ويطلق بمعنى المحبة كقوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) [الذاريات : ٥٧] ، فلما وقع فعل الإرادة في حيّز النفي اقتضى عموم نفي الإرادة بمعنييها على طريقة استعمال المشترك في معنييه ، فالله تعالى لا يحب صدور ظلم من عباده ولا يشاء أن يظلم عباده. وأول المعنيين في الإرادة وفي الظلم أعلق بمقام الإنذار ، والمعنى الثاني تابع للأول لأنه يدل على أن الله تعالى لا يترك عقاب أهل الشرك لأنه عدل ، لأن التوعد بالعقاب على الشرك والظلم أقوى الأسباب في إقلاع الناس عنه ، وصدق الوعيد من متممات ذلك مع كونه مقتضى الحكمة لإقامة العدل.
وتقديم اسم (اللهُ) على الخبر الفعلي لإفادة قصر مدلول المسند على المسند إليه ، وإذ كان المسند واقعا في سياق النفي كان المعنى : قصر نفي إرادة الظلم على الله تعالى قصر قلب ، أي الله لا يريد ظلما للعباد بل غيره يريدونه لهم وهم قادة الشرك وأئمته إذ يدعونهم إليه ويزعمون أن الله أمرهم به قال تعالى : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) [الأعراف : ٢٨].
هذا على المعنى الأول للظلم ، وأما على المعنى الثاني فالمعنى : ما الله يريد أن يظلم عباده ولكنهم يظلمون أنفسهم باتباع أئمتهم على غير بصيرة كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس : ٤٤] وبظلمهم دعاتهم وأئمتهم كما قال تعالى : (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) [هود : ١٠١] ، فلم يخرج تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في سياق النفي في هذه الآية عن مهيع استعماله في إفادة قصر المسند على المسند إليه فتأمله.
[٣٢ ـ ٣٣] (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣))