الوحدانية له يبطل الشريك في الإلهية على تفاوت مراتبه ، وإثبات (الْقَهَّارُ) يبطل ما زعموه من أن أولياءهم تقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم.
والقهر : الغلبة ، أي هو الشديد الغلبة لكل شيء لا يغلبه شيء ولا يصرفه عن إرادته.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥))
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى).
هذه الجملة بيان لجملة (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [الزمر : ٤] فإن خلق هذه العوالم والتصرف فيها على شدتها وعظمتها يبين معنى الوحدانية ومعنى القهّارية ، فتكون جملة (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) ذات اتصالين : اتصال بجملة (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) [الزمر : ٤] كاتصال التذييل ، واتصال بجملة (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) اتصال التمهيد.
وقد انتقل من الاستدلال باقتضاء حقيقة الإلهية نفي الشريك إلى الاستدلال بخلق السماوات والأرض على أنه المنفرد بالخلق إذ لا يستطيع شركاؤهم خلق العوالم.
والباء في (بِالْحَقِ) للملابسة ، أي خلقها خلقا ملابسا للحق وهو هنا ضد البعث ، أي خلقهما خلقا ملابسا للحكمة والصواب والنفع لا يشوب خلقهما عبث ولا اختلال قال تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [الدخان : ٣٨ ـ ٣٩].
وجملة (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ) بيان ثان وهو كتعداد الجمل في مقام الاستدلال أو الامتنان.
وأوثر المضارع في هذه الجملة للدلالة على تجدد ذلك وتكرره ، أو لاستحضار حالة التكوير تبعا لاستحضار آثارها فإن حالة تكوير الله الليل على النهار غير مشاهدة وإنما المشاهد أثرها وتجدد الأثر يدل على تجدد التأثير.
والتكوير حقيقته : اللف والليّ ، يقال : كوّر العمامة على رأسه إذا لواها ولفّها ، ومثّلت به هنا هيئة غشيان الليل على النهار في جزء من سطح الأرض وعكس ذلك على