وأغنى الكلام على تعدية فعل : (أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) [غافر : ٣٠] عن إعادته هنا.
وجملة (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) عطف على جملة (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) لتضمنها معنى : إني أرشدتكم إلى الحذر من يوم التنادي.
وفي الكلام إيجاز بحذف جمل تدل عليها الجملة المعطوفة. والتقدير : هذا إرشاد لكم فإن هداكم الله عملتم به وإن أعرضتم عنه فذلك لأن الله أضلكم ومن يضلل الله فما له من هاد ، وفي هذه الجملة معنى التذييل.
ومعنى إسناد الإضلال والإغواء ونحوهما إلى الله أن يكون قد خلق نفس الشخص وعقله خلقا غير قابل لمعاني الحق والصواب ، ولا ينفعل لدلائل الاعتقاد الصحيح.
وأراد من هذه الصلة العموم الشامل لكل من حرمه الله التوفيق ، وفيه تعريض بتوقعه أن يكون فرعون وقومه من جملة هذا العموم ، وآثر لهم هذا دون أن يقول : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) [الزمر : ٣٧] لأنه أحسّ منهم الإعراض ولم يتوسم فيهم مخائل الانتفاع بنصحه وموعظته.
[٣٤ ـ ٣٥] (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥))
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً).
توسم فيهم قلة جدوى النصح لهم وأنهم مصممون على تكذيب موسى فارتقى في موعظتهم إلى اللوم على ما مضى ، ولتذكيرهم بأنهم من ذرية قوم كذّبوا يوسف لما جاءهم بالبينات فتكذيب المرشدين إلى الحق شنشنة معروفة في أسلافهم فتكون سجية فيهم. وتأكيد الخبر ب (قد) ولام القسم لتحقيقه لأنهم مظنة أن ينكروه لبعد عهدهم به.
فالمجيء في قوله : (جاءَكُمْ) مستعار للحصول والظهور والباء للملابسة ، أي ولقد ظهر لكم يوسف ببيّنات. ولا يلزم أن يكون إظهار البينات مقارنا دعوة إلى شرع لأنه لما