والقول في (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) كالقول في (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ).
والطبع : الختم ، وتقدم في قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) في سورة البقرة [٧].
والختم والطبع والأكنّة : خلق الضلالة في القلب ، أي النفس. والمتكبر : ذو الكبر المبالغ فيه ولذلك استعيرت صيغة التكلف. والجبّار : مثال مبالغة من الجبر ، وهو الإكراه ، فالجبار : الذي يكره الناس على ما لا يحبون عمله لظلمه.
وقرأ الجمهور : (عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) بإضافة (قَلْبِ) إلى (مُتَكَبِّرٍ). وقرأ أبو عمرو وحده وابن ذكوان عن ابن عامر بتنوين (قَلْبِ) على أن يكون (مُتَكَبِّرٍ) و (جَبَّارٍ) صفتين ل (قَلْبِ) ، ووصف القلب بالتكبر والجبر مجاز عقلي. والمقصود وصف صاحبه كقوله تعالى : (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة : ٢٨٣] لأنه سبب الإثم كما يقال : رأت عيني وسمعت أذني.
[٣٦ ـ ٣٧] (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧))
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً)
هذه مقالة أخرى لفرعون في مجلس آخر غير المجلس الذي حاجّه فيه موسى ولذلك عطف قوله بالواو كما أشرنا إليه فيما عطف من الأقوال السابقة آنفا ، وكما أشرنا إليه في سورة القصص ، وتقدم الكلام هنالك مستوفى على نظير معنى هذه الآية على حسب ظاهرها ، وتقدم ذكر (هامان) والصرح هنالك.
وقد لاح لي هنا محمل آخر أقرب أن يكون المقصود من الآية ينتظم مع ما ذكرناه هنالك في الغاية ويخالفه في الدلالة ، وذلك أن يكون فرعون أمر ببناء صرح لا لقصد الارتقاء إلى السماوات بل ليخلو بنفسه رياضة ليستمد الوحي من الربّ الذي ادعى موسى أنه أوحى إليه إذ قال : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [طه : ٤٨]