ليس المراد به ظاهره بل أريد به الإفضاء إلى إيهام قومه كذب موسى عليهالسلام.
والتباب : الخسران والهلاك ، ومنه : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) [المسد : ١] ، وحرف الظرفية استعارة تبعية لمعنى شدة الملابسة كأنه قيل : «وما كيد فرعون إلّا بتباب شديد». والاستثناء من أحوال مقدرة.
[٣٨ ـ ٤٠] (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠))
هذا مقال في مقام آخر قاله مؤمن آل فرعون ، فهذه المقالات المعطوفة بالواو مقالات متفرقة. فابتدأ موعظته بندائهم ليلفت إليه أذهانهم ويستصغي أسماعهم ، وبعنوان أنهم قومه لتصغى إليه أفئدتهم. ورتب خطبته على أسلوب تقديم الإجمال ثم تعقيبه بالتفصيل ، فابتدأ بقوله : (اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) ، وسبيل الرشاد مجمل وهو على إجماله مما تتوق إليه النفوس ، فربط حصوله باتّباعهم إيّاه مما يقبل بهم على تلقّي ما يفسر هذا السبيل ، ويسترعي أسماعهم إلى ما يقوله إذ لعله سيأتيهم بما ترغبه أنفسهم إذ قد يظنون أنه نقح رأيه ونخل مقاله وأنه سيأتي بما هو الحق الملائم لهم. وتقدم ذكر (سَبِيلَ الرَّشادِ) آنفا.
وأعاد النداء تأكيدا لإقبالهم إذ لاحت بوارقه فأكمل مقدمته بتفصيل ما أجمله يذكرهم بأن الحياة الدنيا محدودة بأجل غير طويل ، وأن وراءها حياة أبدية ، لأنه علم أن أشدّ دفاعهم عن دينهم منبعث عن محبة السيادة والرفاهية ، وذلك من متاع الدنيا الزائل وأن الخير لهم هو العمل للسعادة الأبدية. وقد بنى هذه المقدمة على ما كانوا عليه من معرفة أن وراء هذه الحياة حياة أبدية فيها حقيقة السعادة والشقاء ، وفيها الجزاء على الحسنات والسّيئات بالنعيم أو العذاب ، إذ كانت ديانتهم تثبت حياة أخرى بعد الحياة الدنيا ولكنها حرفت معظم وسائل السعادة والشقاوة ، فهذه حقائق مسلّمة عندهم على إجمالها وهي من نوع الأصول الموضوعة في صناعة الجدل ، وبذلك تمّت مقدمة خطبته وتهيأت نفوسهم لبيان مقصده المفسّر لإجمال مقدمته.
فجملة (إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) مبينة لجملة (أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ). والمتاع :