الشيء المتفرع على شيء يعتبر تابعا له ، كما قال الأصوليون في أنّ جواب السائل غير المستقل بنفسه تابع لعموم السّؤال.
وكذلك جملة (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) بالنسبة إلى تفرع مضمونها على مضمون جملة (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) لأنه إذا كان المصير إليه كان الحكم والجزاء بين الصائرين إليه من مثاب ومعاقب فيتعين أن المعاقب هم الكافرون بالله.
فالإسراف هنا : إفراط الكفر ، ويشمل ما قيل : إنه أريد هنا سفك الدم بغير حق ليصرف فرعون عن قتل موسى عليهالسلام. والوجه أن يعم أصحاب الجرائم والآثام. والتعريف فيه تعريف الجنس المفيد للاستغراق وهو تعريض بالذين يخاطبهم إذ هم مسرفون على كل تقدير فهم مسرفون في إفراط كفرهم بالرب الذي دعا إليه موسى ، ومسرفون فيما يستتبعه ذلك من المعاصي والجرائم فضمير الفصل في قوله : (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) يفيد قصرا ادعائيا لأنهم المتناهون في صحبة النار بسبب الخلود بخلاف عصاة المؤمنين ، وهذا لحمل كلام المؤمن على موافقة الواقع لأن المظنون به أنه نبي أو ملهم وإلّا فإن المقام مقام تمييز حال المؤمنين من حال المشركين ، وليس مقام تفصيل درجات الجزاء في الآخرة.
(فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤))
هذا الكلام متاركة لقومه وتنهية لخطابه إياهم ولعله استشعر من ملامحهم أو من مقاطعتهم كلامه بعبارات الإنكار ، ما أياسه من تأثرهم بكلامه ، فتحدّاهم بأنهم إن أعرضوا عن الانتصاح لنصحه سيندمون حين يرون العذاب إما في الدنيا كما اقتضاه تهديده لهم بقوله: (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) [غافر : ٣٠] ، أو في الآخرة كما اقتضاه قوله : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) [غافر : ٣٢] ، فالفاء تفريع على جملة (ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) [غافر : ٤١].
وفعل ستذكرون مشتق من الذّكر بضم الذال وهو ضد النسيان ، أي ستذكرون في عقولكم ، أي ما أقول لكم الآن يحضر نصب بصائركم يوم تحققه ، فشبه الإعراض بالنسيان ورمز إلى النسيان بما هو من لوازمه في العقل ملازمة الضد لضده وهو التذكر على طريقة المكنية وفي قرينتها استعارة تبعية. والمعنى سيحلّ بكم من العذاب ما يذكّركم ما أقوله : إنّه سيحل بكم.