وجملة (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) عطف على جملة (ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) ، ومساق هذه الجملة مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشرّ ، يعني : أني أكل شأني وشأنكم معي إلى الله فهو يجزي كل فاعل بما فعل ، وهذا كلام منصف فالمراد ب (أَمْرِي) شأني ومهمّي. ويدل لمعنى الانتصاف تعقيبه بقوله : (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) معللا تفويض أمره معهم إلى الله بأن الله عليم بأحوال جميع العباد فعموم العباد شمله وشمل خصومه.
وقال في «الكشاف» قوله : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) لأنهم توعدوه ا ه. يعني أن فيه إشعارا بذلك بمعونة ما بعده.
و (بِالْعِبادِ) الناس يطلق على جماعتهم اسم العباد ، ولم أر إطلاق العبد على الإنسان الواحد ولا إطلاق العبيد على الناس.
والبصير : المطلع الذي لا يخفى عليه الأمر. والباء للتعدية كما في قوله تعالى : (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) [القصص : ١١] ، فإذا أرادوا تعدية فعل البصر بنفسه قالوا : أبصره.
[٤٥ ـ ٤٦] (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦))
تفريع (فَوَقاهُ اللهُ) مؤذن بأنهم أضمروا مكرا به. وتسميته مكرا مؤذن بأنهم لم يشعروه به وأن الله تكفل بوقايته لأنه فوّض أمره إليه. والمعنى : فأنجاه الله ، فيجوز أن يكون نجا مع موسى وبني إسرائيل فخرج معهم ، ويجوز أن يكون فرّ من فرعون ولم يعثروا عليه.
و (ما) مصدرية. والمعنى : سيئات مكرهم. وإضافة (سَيِّئاتِ) إلى (مكر) إضافة بيانية ، وهي هنا في قوة إضافة الصفة إلى الموصوف لأن المكر سيئ. وإنما جمع السيئات باعتبار تعدد أنواع مكرهم التي بيّتوها.
وحاق : أحاط. والعذاب : الغرق. والتعريف للعهد لأنه مشهور معلوم. وتقدم له ذكر في السور النازلة قبل هذه السورة.