ومعنى عرضهم على النار أن أرواحهم تشاهد المواضع التي أعدت لها في جهنم ، وهو ما يبينهحديث عبد الله بن عمر في «الصحيح» قال : قال رسول الله : «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة».
وقوله : (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) كناية عن الدوام لأن الزمان لا يخلو عن هاذين الوقتين.
وقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) هذا ذكر عذاب الآخرة الخالد ، أي يقال : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، وعلم من عذاب آل فرعون أن فرعون داخل في ذلك العذاب بدلالة الفحوى.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وأبو جعفر ويعقوب (أَدْخِلُوا) بهمزة قطع وكسر الخاء. وقرأ الباقون بهمزة وصل وضم الخاء على معنى أن القول موجّه إلى آل فرعون وأن (آلَ فِرْعَوْنَ) منادى بحذف الحرف.
[٤٧ ـ ٤٨] (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨))
يجوز أن يكون (إِذْ) معمولا ل (اذكر) محذوف فيكون عطفا على جملة (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) ، والضمير عائدا إلى (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ) [غافر : ٣٥] وما بين هذا وذاك اعتراض واستطراد لأنها قصد منها عظة المشركين بمن سبقهم من الأمم المكذبين فلما استوفي ذلك عاد الكلام إليهم. ويفيد ذلك صريح الوعيد للمشركين بعد أن ضربت لهم الأمثال كما قال تعالى : (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) [محمد : ١٠] ، وقد تكرر في القرآن موعظة المشركين بمثل هذا كقوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) الآية في سورة البقرة [١٦٦] ، وقوله : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) الآية في سورة الأعراف [٣٨].
ويجوز أن تكون (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ) عطفا على جملة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦] لأن (إذ) و (يوم) كليهما ظرف بمعنى (حين) ، فيكون المعنى : وحين تقوم الساعة يقال : أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب ، وحين يتحاج أهل النار فيقول الضعفاء إلخ.