آلِ فِرْعَوْنَ) [غافر : ٢٨] ، وختم ذلك بوعد النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بالنصر كما نصر النبيئون من قبله والذين آمنوا بهم ، وأمر بالصبر على عناد قومه والتوجه إلى عبادة ربه ، فكان ذكر الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان عقب ذلك من باب المثل المشهور : «الشيء بالشيء يذكر».
وبهذه المناسبة انتقل هنا إلى كشف ما تكنه صدور المجادلين من أسباب جدالهم بغير حق ، ليعلم الرسول صلىاللهعليهوسلم دخيلتهم فلا يحسب أنهم يكذبونه تنقصا له ولا تجويزا للكذب عليه ، ولكن الذي يدفعهم إلى التكذيب هو التكبر عن أن يكونوا تبعا للرسول صلىاللهعليهوسلم ووراء الذين سبقوهم بالإيمان ممن كانوا لا يعبئون بهم. وهذا نحو قوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام : ٣٣].
فقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) الآية استئناف ابتدائي وهو كالتكرير لجملة (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) [غافر : ٣٥] تكرير تعداد للتوبيخ عند تنهية غرض الاستدلال كما يوقّف الموبخ المرة بعد المرة. و (الَّذِينَ يُجادِلُونَ) هم مشركو أهل مكة وهم المخبر عنهم في قوله أول السورة : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) [غافر : ٤]. ومعنى المجادلة في آيات الله تقدم هنالك.
ويتعلق قوله : (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) ب (يُجادِلُونَ). والباء للمصاحبة ، أي مصاحب لهم غير سلطان ، أي غير حجة ، أي أنهم يجادلون مجادلة عناد وغصب.
وفائدة هذا القيد تشنيع مجادلتهم وإلا فإن المجادلة في آيات الله لا تكون إلا بغير سلطان لأن آيات الله لا تكون مخالفة للواقع فهذا القيد نظير القيد في قوله : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) [القصص : ٥٠] ، وكذلك وصف (سُلْطانٍ) بجملة (أَتاهُمْ) لزيادة تفظيع مجادلتهم بأنها عرية عن حجة لديهم فهم يجادلون بما ليس لهم به علم ، وتقدم نظير أول هذه الآية في أثناء قصة موسى وفرعون في هذه السورة.
و (إِنَ) في قوله : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) نافية والجار والمجرور خبر مقدم ، والاستثناء مفرّغ ، و (كِبْرٌ) مبتدأ مؤخّر ، والجملة كلها خبر عن (الَّذِينَ يُجادِلُونَ). وأطلق الصدور على القلوب مجازا بعلاقة الحلول ، والمراد ضمائر أنفسهم ، والعرب يطلقون القلب على العقل لأن القلب هو الذي يحس الإنسان بحركته عند الانفعالات النفسية من الفرح وضده والاهتمام بالشيء. والكبر من الانفعالات النفسية ، وهو : إدراك الإنسان