وهذا إطلاق أقل شيوعا من الأول ، ويراد بالعبادة في اصطلاح القرآن إفراد الله بالعبادة ، أي الاعتراف بوحدانيته.
والاستجابة تطلق على إعطاء المسئول لمن سأله وهو أشهر إطلاقها وتطلق على أثر قبول العبادة بمغفرة الشرك السابق وبحصول الثواب على أعمال الإيمان فإفادة الآية على معنى طلب الحاجة من الله يناسب ترتب الاستجابة على ذلك الطلب معلقا على مشيئة الله أو على استيفاء شروط قبول الطلب ، وإعطاء خير منه في الدنيا ، أو إعطاء عوض منه في الآخرة. وإفادتها على معنى إفراد الله بالعبادة ، أي بأن يتوبوا عن الشرك ، فترتب الاستجابة هو قبول ذلك ، فإن قبول التوبة من الشرك مقطوع به.
فلما جمعت الآية بين الفعلين على تفاوت بين شيوع الإطلاق في كليهما علمنا أن في المعنى المراد ما يشبه الاحتباك بأن صرح بالمعنى المشهور ، في كلا الفعلين ثم أعقب بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) ، فعلمنا أن المراد الدعاء والعبادة ، وأن الاستجابة أريد بها قبول الدعاء وحصول أثر العبادة. ففعل (ادْعُونِي) مستعمل في معنييه بطريقة عموم المشترك.
وفعل (أَسْتَجِبْ) مستعمل في حقيقته ومجازه ، والقرينة ما علمت ، وذلك من الإيجاز والكلام الجامع.
وتعريف الله بوصف الرب مضافا إلى ضمير المخاطبين لما في هذا الوصف وإضافته من الإيماء إلى وجوب امتثال أمره لأن من حق الربوبية امتثال ما يأمر به موصوفها لأن المربوب محقوق بالطاعة لربه ، ولهذا لم يعرج مع هذا الوصف على تذكير بنعمته ولا إشارة إلى كمالات ذاته.
وجملة (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ) تعليل للأمر بالدعاء تعليلا يفيد التحذير من إباية دعاء الله حين الإقبال على دعاء الأصنام ، كما قال تعالى : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) [غافر : ١٢] وكان المشركون لا يضرعون إلى الله إلا إذا لم يتوسموا استجابة شركائهم ، كما قال تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) [الإسراء : ٦٧]. ومعنى التعليل للأمر بالدعاء بهذا التحذير : أن الله لا يحب لعباده ما يفضي بهم إلى العذاب ، قال تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧] ففي الآية دليل على طلب الله من عباده أن يدعوه في حاجاتهم.
ومشروعية الدعاء لا خلاف فيها بين المسلمين وإنما الخلاف في أنه ينفع في رد