القدر أو لا؟ وهو خلاف بيننا وبين المعتزلة. وليس في الآية حجة عليهم لأنهم تأولوا معنى (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، وتقدم قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) الآية في سورة البقرة [١٨٦] ، وفي الإتيان بالموصول إيماء إلى التعليل.
و (داخِرِينَ) حال من ضمير (سَيَدْخُلُونَ) أي أذلة ، دخر كمنع وفرح : صغر وذلّ ، وتقدم قوله : (سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) في سورة النحل [٤٨].
وقرأ الجمهور (سَيَدْخُلُونَ) بفتح التحتية وضم الخاء. وقرأه أبو جعفر ورويس عن يعقوب بضم التحتية وفتح الخاء على البناء للنائب ، أي سيدخلهم ملائكة العذاب جهنم.
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١))
يجوز أن يكون اسم الجلالة بدلا من (رَبُّكُمُ) في (وَقالَ رَبُّكُمُ) [غافر : ٦٠] اتبع (رَبُّكُمُ) بالاسم العلم ليقضى بذلك حقّان : حق استحقاقه أن يطاع بمقتضى الربوبية والعبودية ، وحقّ استحقاقه الطاعة لصفات كماله التي يجمعها اسم الذات. ولذلك لم يؤت مع وصف الرب المتقدم بشيء من ذكر نعمه ولا كمالاته اجتزاء بمقتضى حق الربوبية ، وذكر مع الاسم العلم بعض إنعامه وإفضاله ثم وصف الاسم بالموصول وصلته إشارة إلى بعض صفاته ، وإيماء إلى وجه الأمر بعبادته ، وتكون الجملة استئنافا بيانيا ناشئا عن تقوية الأمر بدعائه. ويجوز أن يكون اسم الجلالة مبتدأ والموصول صفة له ويكون الخبر قوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) [غافر : ٦٤] ويكون جملة (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ) معترضة ، أو أن يكون اسم الجلالة مبتدأ والموصول خبرا.
واعتبار الجملة مستأنفة أحسن من اعتبار اسم الجلالة بدلا لأنه أنسب بالتوقيف على سوء شكرهم ، وبمقام تعداد الدلائل وأسعد بقوله : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) [غافر : ٦٤] ، فتكون الجملة واقعة موقع التعليل لجملة (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر : ٦٠] ، أي تسببوا لأنفسهم بذلك العقاب لأنهم كفروا نعمة الله إذ جعل لهم الليل والنهار. وعلى هذه الاعتبارات كلها فقد سجلت هذه الآية على الناس تقسيمهم إلى : شاكر نعمة ، وكفورها ، كما سجلت عليهم الآية السابقة تقسيمهم إلى : مؤمن بوحدانية الله ، وكافر بها.
وهذه الآية للتذكير بنعمة الله تعالى على الخلق كما اقتضاه لام التعليل في قوله :