(لَكُمْ) لأن في الأنعام مواد عظيمة لبقاء الإنسان وهي التي في قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) إلى قوله : (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) [النحل : ٥ ـ ٧] وقوله : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها) إلخ في سورة النحل [٨٠].
والإنزال : نقل الجسم من علوّ إلى سفل ، ويطلق على تذليل الأمر الصعب كما يقال : نزلوا على حكم فلان ، لأن الأمر الصعب يتخيل صعب المنال كالمعتصم بقمم الجبال ، قال خصّاب بن المعلّى من شعراء الحماسة :
أنزلني الدهر على حكمه |
|
من شاهق عال إلى خفض |
فإطلاق الإنزال هنا بمعنى التذليل والتمكين على نحو قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) [الحديد : ٢٥] أي سخرناه للناس فألهمناهم إلى معرفة قينه يتخذونه سيوفا ودروعا ورماحا وعتادا مع شدته وصلابته. ويجوز أن يكون إنزال الأنعام إنزالها الحقيقي ، أي إنزال أصولها من سفينة نوح كقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [الأعراف : ١١] ، أي خلقنا أصلكم وهو آدم ، قال تعالى : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود : ٤٠] فيكون الإنزال هو الإهباط قال تعالى : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [هود : ٤٨] ، فهذان وجهان حسنان لإطلاق الإنزال ، وهما أحسن من تأويل المفسرين إنزال الأنعام بمعنى الخلق ، أي لأن خلقها بأمر التكوين الذي ينزل من حضرة القدس إلى الملائكة.
والأزواج : الأنواع ، كما في قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [الرعد : ٣] والمراد أنواع الإبل والغنم والبقر والمعز.
وأطلق على النوع اسم الزوج الذي هو المثنّى لغيره لأن كل نوع يتقوّم كيانه من الذكر والأنثى وهما زوجان أو أطلق عليها أزواج لأنه أشار إلى ما أنزل من سفينة نوح منها وهو ذكر وأنثى من كل نوع كما تقدم آنفا.
(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ).
بدل من جملة (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) وضمير المخاطبين هنا راجع إلى الناس لا غير وهو استدلال بتطور خلق الإنسان على عظيم قدرة الله وحكمته ودقائق صنعه.
والتعبير بصيغة المضارع لإفادة تجدد الخلق وتكرره مع استحضار صورة هذا التطور العجيب استحضارا بالوجه والإجمال الحاصل للأذهان على حسب اختلاف مراتب