(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)
يجوز أن تكون إنشاء للثناء على الله كما هو شأن أمثالها في غالب مواقع استعمالها كما تقدم في سورة الفاتحة ، فيجوز أن تكون متصلة بفعل (فَادْعُوهُ) على تقدير قول محذوف ، أي قائلين ، الحمد لله رب العالمين ، أو قولوا : الحمد لله رب العالمين ، وقرينة المحذوف هو أن مثل هذه الجملة مما يجري على ألسنة الناس كثيرا فصارت كالمثل في إنشاء الثناء على الله. والمعنى : فاعبدوه بالعمل وبالثناء عليه وشكره. ويجوز أن تكون كلاما مستأنفا أريد به إنشاء الثناء على الله من نفسه تعليما للناس كيف يحمدونه ، كما تقدم في وجوه نظيرها في سورة الفاتحة. أو جاريا على لسان الرسول صلىاللهعليهوسلم على نحو قوله تعالى : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام : ٤٥] عقب قوله : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الآيات من سورة الأنعام [٤٠].
وعندي : أنه يجوز أن يكون (الْحَمْدُ) مصدرا جيء به بدلا من فعله على معنى الأمر ، أي أحمدوا الله ربّ العالمين. وعدل به عن النصب إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام والثبات كما تقدم في أول الفاتحة. وفصل الجملة عن الكلام الذي قبلها أسعد بالاحتمالين الأول والرابع.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦))
جملة معترضة بين أدلة الوحدانية بدلالة الآيات الكونية والنفسية ليجروا على مقتضاها في أنفسهم بأن يعبدوا الله وحده ، فانتقل إلى تقرير دليل الوحدانية بخبر الوحي الإلهي بإبطال عبادة غير الله على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم ليعمل بذلك في نفسه ويبلغ ذلك إليهم فيعلموا أنه حكم الله فيهم ، وأنهم لا عذر لهم في الغفلة عنها أو عدم إتقان النظر فيها أو قصور الاستنتاج منها بعد أن جاءهم رسول من الله يبيّن لهم أنواعا بمختلف البيان من أدلّة برهانية وتقريبية إقناعية.
وأن هذا الرسول صلىاللهعليهوسلم إنما يدعوهم إلى ما يريده لنفسه فهو ممحض لهم النصيحة ، وهاديهم إلى الحجة لتتظاهر الأدلة النظرية بأدلة الأمر الإلهي بحيث يقوى إبطال مذهبهم في الشرك ، فإن ما نزل من الوحي تضمن أدلة عقلية وإقناعية وأوامر إلهية وزواجر