والسجر : ملء التنور بالوقود لتقوية النار فيه ، فإسناد فعل (يُسْجَرُونَ) إلى ضمير هم إسناد مجازي لأن الذي يسجر هو مكانهم من جهنم ، فأريد بإسناد المسجور إليهم المبالغة في تعلق السجر بهم ، أو هو استعارة تبعية بتشبيههم بالتنور في استقرار النار بباطنهم كما قال تعالى : (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) [الحج : ٢٠].
[٧٣ ـ ٧٦] (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦))
(ثمّ) هذه للتراخي الرتبي لا محالة لأن هذا القول يقال لهم قبل دخول النار ، بدليل أن مما وقع في آخر القول : (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) ، ودخول أبواب جهنم قبل السحب في حميمها والسّجر في نارها. وهذا القيل ارتقاء في تقريعهم وإعلان خطل آرائهم بين أهل المحشر وهو أشد على النفس من ألم الجسم ، ولأن هذا القول مقدمة لتسليط العذاب عليهم لاشتماله على بيان سبب العذاب من عبادة الأصنام وازدهائهم في الأرض بكفرهم ومرحهم ، وهو أيضا ارتقاء في وصف أحوالهم الدالة على نكالهم إذ ارتقى من صفة جزائهم على إشراكهم وهو شيء غير مستغرب ترتّبه على الشرك إلى وصف تحقيرهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها وذلك غريب من أحوالهم وأشدّ دلالة على بطلان إلهية أصنامهم وهو المقصد المهم من القوارع التي سلطت عليهم في هذه السورة. فموقع المعطوف ب (ثمّ) هنا كموقع المعطوف بها في قول أبي نواس :
قل إن ساد ثم ساد أبوه |
|
قبله ثم ساد من قبل جدّه |
من حيث كانت سيادة جدّه أرسخت له سيادة أبيه وأعقبت سيادة نفسه ، وهذا استعمال موجود بكثرة. وصيغ (قيل) بصيغة المضيّ لأنه محقق الوقوع فكأنه وقع ومضى وكذلك فعل (قالُوا ضَلُّوا).
والقائل لهم : ناطق بإذن الله. و (أين) للاستفهام عن مكان الشيء المجهول المكان ، والاستفهام هنا مستعمل في التنبيه على الغلط والفضيحة في الموقف فإنهم كانوا يزعمون أنهم يعبدون الأصنام ليكونوا شفعاء لهم من غضب الله فلما حق عليهم العذاب فلم يجدوا شفعاء ذكروا بما كانوا يزعمونه فقيل لهم (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، فابتدروا