عذاب يوم بدر أو بعد وفاتك مثل قتلهم يوم اليمامة ، وأما عذاب الآخرة فذلك مقرر لهم بطريق الأولى ، وهذا كقوله : (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) [الزخرف: ٤٢].
وتقديم المجرور في قوله : (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) للرعاية على الفاصلة وللاهتمام.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨))
ذكرنا عند قوله تعالى : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) في أول هذه السورة [٤] أن من صور مجادلتهم في الآيات إظهارهم عدم الاقتناع بمعجزة القرآن فكانوا يقترحون آيات كما يريدون لقصدهم إفحام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فلما انقضى تفصيل الإبطال لضلالهم بالأدلة البيّنة والتذكير بالنعمة والإنذار بالترهيب والترغيب وضرب الأمثال بأحوال الأمم المكذّبة ثم بوعد الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بالنصر وتحقيق الوعد ، أعقب ذلك بتثبيت الرسول صلىاللهعليهوسلم بأنه ما كان شأنه إلا شأن الرّسل من قبله أن لا يأتوا بالآيات من تلقاء أنفسهم ولا استجابة لرغائب معانديهم ولكنها الآيات عند الله يظهر ما شاء منها بمقتضى إرادته الجارية على وفق علمه وحكمته ، وفي ذلك تعريض بالرد على المجادلين في آيات الله ، وتنبيه لهم على خطإ ظنهم أن الرّسل تنتصب لمناقشة المعاندين.
فالمقصود الأهمّ من هذه الآية هو قوله : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) وأما قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) إلخ فهو كمقدمة للمقصود لتأكيد العموم من قوله : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، وهو مع ذلك يفيد بتقديمه معنى مستقلا من رد مجادلتهم فإنهم كانوا يقولون : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] ويقولون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٨] فدمغت مزاعمهم بما هو معلوم بالتواتر من تكرر بعثة الرسل في العصور والأمم الكثيرة.
وقد بعث الله رسلا وأنبياء لا يعلم عددهم إلا الله تعالى لأن منهم من أعلم الله بهم نبيه صلىاللهعليهوسلم ومنهم من لم يعلمه بهم إذ لا كمال في الإعلام بمن لم يعلمه بهم ، والذين أعلمه بهم منهم من قصّه في القرآن ، ومنهم من أعلمه بهم بوحي غير القرآن فورد ذكر بعضهم في الآثار الصحيحة بتعيين أو بدون تعيين ، ففي الحديث : «أن الله بعث نبيئا اسمه عبّود عبدا