ولكن من اطلع على ذكر نبوءة نبيء بوصفه ذلك في القرآن صريحا وجب (١) عليه الإيمان بما علمه. وما ثبت بأخبار الآحاد لا يجب الإيمان به لأن الاعتقادات لا تجب بالظن ولكن ذلك تعليم لا وجوب اعتقاد.
وتنكير (رُسُلاً) مفيد للتعظيم والتكثير ، أي أرسلنا رسلا عددهم كثير وشأنهم عظيم. وعطف (وَما كانَ لِرَسُولٍ) إلخ بالواو دون الفاء يفيد استقلال هذه الجملة بنفسها لما فيها من معنى عظيم حقيق بأن لا يكون تابعا لغيره ، ويكتفي في الدلالة على ارتباط الجملتين بموقع إحداهما من الأخرى.
والآية : المعجزة ، وإذن الله : هو أمر التكوين الذي يخلق الله به خارق العادة ليجعله علامة على صدق الرسول. ومعنى إتيان الرسول بآية : هو تحديه قومه بأن الله سيؤيده بآية يعيّنها مثل قول صالح عليهالسلام : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) [الأعراف : ٧٣] وقول موسى عليهالسلام لفرعون : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) [الشعراء : ٣٠] الآية.
وقول عيسى عليهالسلام : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ) طائرا (بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ٤٩] وقول محمد صلىاللهعليهوسلم : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣].
فالباء في (بِآيَةٍ) باء التعدية لفعل (أَنْ يَأْتِيَ) وأما الباء في (بِإِذْنِ اللهِ) فهي باء السببية دخلت على مستثنى من أسباب محذوفة في الاستثناء المفرغ ، أي ما كان له أن يأتي بآية بسبب من الأسباب إلا بسبب إذن الله تعالى. وهذا إبطال لما يتوركون به من المقترحات والتعلات.
وفرع عليه قوله : (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِ) أي فإذا جاء أمر الله بإظهار الرسول آية ظهر صدق الرسول وكان ذلك قضاء من الله تعالى لرسوله بالحق على مكذبيه ، فإذن الله هو أمره التكويني بخلق آية وظهورها.
وقوله : (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) الأمر : القضاء والتقدير ، كقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١] وقوله : (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) [المائدة : ٥٢] وهو الحدث القاهر للناس كما في قول عمر لما قال له أبو قتادة يوم حنين «ما شأن الناس» حين انهزموا وفرّوا قال عمر : «أمر الله». وفي العدول عن : إذن الله ، إلى (أَمْرُ اللهِ) تعريض بأن ما سيظهره الله من الإذن لمحمد صلىاللهعليهوسلم هي آيات عقاب لمعانديه ، فمنها : آية الجوع سبع
__________________
(١) في المطبوعة (وجيء).