وحكمته. والإراءة هنا بصرية ، عبر بها عن العلم بصفات الله إذ كان طريق ذلك العلم هو مشاهدة تلك الأحوال المختلفة فمن تلك المشاهدة ينتقل العقل إلى الاستدلال ، وفيه إشارة إلى أن دلالة وجود الخالق ووحدانيته وقدرته برهانية تنتهي إلى اليقين والضرورة.
وإضافة الآيات إلى ضمير الجلالة لزيادة التنويه بها ، والإرشاد إلى إجادة النظر العقلي في دلائلها ، وأما كونها جائية من لدن الله وكون إضافتها من الإضافة إلى ما هو في معنى الفاعل ، فذلك أمر مستفاد من إسناد فعل (يُرِيكُمْ) إلى ضميره تعالى. وفرع على إراءة الآيات استفهام إنكاري عليهم من أجل إنكارهم ما دلت عليه تلك الآيات.
و (أيّ) اسم استفهام يطلب به تمييز شيء عن مشاركه فيما يضاف إليه (أيّ) ، وهو هنا مستعمل في إنكار أن يكون شيء من آيات الله يمكن أن ينكر دون غيره من الآيات فيفيد أن جميع الآيات صالح للدلالة على وحدانية الله وقدرته لا مساغ لادّعاء خفائه وأنهم لا عذر لهم في عدم الاستفادة من إحدى الآيات. والأكثر في استعمال (أي) إذا أضيفت إلى اسم مؤنث اللفظ أن لا تلحقها هاء التأنيث اكتفاء بتأنيث ما تضاف إليه لأن الغالب في الأسماء التي ليست بصفات أن لا يفرق بين مذكرها ومؤنثها بالهاء نحو حمار فلا يقال للمؤنث حمارة. و (أيّ) اسم ويزيد بما فيه من الإبهام فلا يفسره إلا المضاف إليه فلذلك قال هنا (فَأَيَّ آياتِ اللهِ) دون : فأيّة آيات الله ، لأن إلحاق علامة التأنيث ب (أي) في مثل هذا قليل ، ومن غير الغالب تأنيث (أي) في قول الكميت :
بأي كتاب أم بأيّة سنة |
|
ترى حبهم عارا عليّ وتحسب |
[٨٢ ـ ٨٣] (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣))
تفريع هذا الاستفهام عقب قوله : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) [غافر : ٨١] ، يقتضي أنه مساوق للتفريع الذي قبله وهو (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) [غافر : ٨١] فيقتضي أن السير المستفهم عنه بالإنكار على تركه هو سير تحصل فيه آيات ودلائل على وجود الله ووحدانيته وكلا التفريعين متصل بقوله : (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [غافر : ٨٠] ، فذلك هو مناسبة الانتقال إلى التذكير بعبرة آثار الأمم التي استأصلها الله