إحداها ، وأبو حيان إلى أخرى ولا حاجة إلى جلب ذلك.
والطريقة التي يرجح سلوكها هي أن هنا ضمائر عشرة هي ضمائر جمع الغائبين وأن بعضها عائد لا محالة على (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وأن وجه النظم أن تكون الضمائر متناسقة غير مفككة فلذا يتعين أن تكون عائدة إلى معاد واحد ، فالذين (فرحوا بما عندهم من العلم) هم (الذين جاءتهم رسلهم بالبينات) ، وهم الذين (حاق بهم ما كانوا به يستهزءون) ، والذين رأوا بأس الله ، فما بنا إلا أن نبين معنى (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ).
فالفرح هنا مكنّى به عن آثاره وهي الازدهاء كما في قوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ) [القصص : ٧٦] أي بما أنت فيه مكنىّ به هنا عن تمسكهم بما هم عليه ، فالمعنى : أنهم جادلوا الرسل وكابروا الأدلة وأعرضوا عن النظر. وما عندهم من العلم هو معتقداتهم الموروثة عن أهل الضلالة من أسلافهم.
قال مجاهد : قالوا لرسلهم : نحن أعلم منكم لن نبعث ولن نعذب ا ه. وإطلاق العلم على اعتقادهم تهكم وجري على حسب معتقدهم وإلا فهو جهل. وقال السدّي : فرحوا بما عندهم من العلم بجهلهم يعني فهو من قبيل قوله تعالى : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [الأنعام : ١٤٨].
وحاق بهم : أحاط ، يقال : حاق يحيق حيقا ، إذا أحاط ، وهو هنا مستعار للشدة التي لا تنفيس بها لأن المحيط بشيء لا يدع له مفرجا.
و (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) هو الاستئصال والعذاب. والمعنى : أن رسلهم أوعدوهم بالعذاب فاستهزءوا بالعذاب ، أي بوقوعه وفي ذكر فعل الكون تنبيه على أن الاستهزاء بوعيد الرسل كان شنشنة لهم ، وفي الإتيان ب (يَسْتَهْزِؤُنَ) مضارعا إفادة لتكرر استهزائهم.
[٨٤ ـ ٨٥] (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥))
(فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)