المرء أمرا إلا إذا لاحت له دلائله ولوازمه ، لأن الظن ليس بمغالطة والمرء لا يغالط نفسه ، فالرجاء يتبع السعي لتحصيل المرجو قال الله تعالى : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء : ١٩] فإن ترقّب المرء المنفعة من غير أسبابها فذلك الترقب يسمى غرورا.
وإنما يكون الرجاء أو الخوف ظنّا مع تردد في المظنون ، أما المقطوع به فهو اليقين واليأس وكلاهما مذموم قال تعالى : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٩] ، وقال : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧].
وقد بسط ذلك حجة الإسلام أبو حامد في كتاب الرجاء والخوف من كتاب «الإحياء». ولله درّ أبي الحسن التهامي إذ يقول :
وإذا رجوت المستحيل فإنما |
|
تبني الرجاء على شفير هار |
وسئل الحسن البصري عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال : هذا تمنّ وإنما الرجاء ، قوله : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ).
وقال بعض المفسرين أريد بمن (هُوَ قانِتٌ) أبو بكر ، وقيل عمّار بن ياسر ، وقيل صهيب ، وقيل : أبو ذرّ ، وقيل ابن مسعود ، وهي روايات ضعيفة ولا جرم أن هؤلاء المعدودين هم من أحقّ من تصدق عليه هذه الصلة فهي شاملة لهم ولكن محمل الموصول في الآية على تعميم كل من يصدق عليه معنى الصلة.
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) استئناف بياني موقعه كموقع قوله : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) [الزمر : ٨] أثاره وصف المؤمن الطائع ، والمعنى : أعلمهم يا محمد بأن هذا المؤمن العالم بحق ربه ليس سواء للكافر الجاهل بربه. وإعادة فعل (قُلْ) هنا للاهتمام بهذا المقول ولاسترعاء الأسماع إليه.
والاستفهام هنا مستعمل في الإنكار. والمقصود : إثبات عدم المساواة بين الفريقين ، وعدم المساواة يكنّى به عن التفضيل. والمراد : تفضيل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون ، كقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ) [النساء : ٩٥] الآية ، فيعرف المفضّل بالتصريح كما في آية (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ) [النساء : ٩٥] أو بالقرينة كما في قوله هنا : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) إلخ لظهور أن العلم كمال ولتعقيبه بقوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا