ثواب جزيل ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده». وعلى بثه مثل ذلك ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم بثه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له بخير».
فهذا التفاوت بين العالم والجاهل في صورة التي ذكرناها مشمول لنفي الاستواء الذي في قوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وتتشعب من هذه المقامات فروع جمّة وهي على كثرتها تنضوي تحت معنى هذه الآية.
وقوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) واقع موقع التعليل لنفي الاستواء بين العالم وغيره المقصود منه تفضيل العالم والعلم ، فإن كلمة (إنما) مركبة من حرفين (إنّ) و (ما) الكافّة أو النافية فكانت (إن) فيه مفيدة لتعليل ما قبلها مغنية غناء فاء التعليل إذ لا فرق بين (إنّ) المفردة و (إنّ) المركبة مع (ما) ، بل أفادها التركيب زيادة تأكيد وهو نفي الحكم الذي أثبتته (إنّ) عن غير من أثبتته له. وقد أخذ في تعليل ذلك جانب إثبات التذكر للعالمين ، ونفيه من غير العالمين ، بطريق الحصر لأن جانب التذكر هو جانب العمل الديني وهو المقصد الأهم في الإسلام لأن به تزكية النفس والسعادة الأبدية قال النبيصلىاللهعليهوسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين».
والألباب : العقول ، وأولو الألباب : هم أهل العقول الصحيحة ، وهم أهل العلم. فلما كان أهل العلم هم أهل التذكر دون غيرهم أفاد عدم استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون. فليس قوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) كلاما مستقلا.
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠))
لما أجري الثناء على المؤمنين بإقبالهم على عبادة الله في أشدّ الآناء وبشدة مراقبتهم إياه بالخوف والرجاء وبتمييزهم بصفة العلم والعقل والتذكر ، بخلاف حال المشركين في ذلك كله ، أتبع ذلك بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالإقبال على خطابهم للاستزادة من ثباتهم ورباطة جأشهم ، والتقدير : قل للمؤمنين ، بقرينة قوله : (يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ.
وابتداء الكلام بالأمر بالقول للوجه الذي تقدم في نظيره آنفا ، وابتداء المقول بالنداء وبوصف العبودية المضاف إلى ضمير الله تعالى ، كل ذلك يؤذن بالاهتمام بما سيقال وبأنه