سيقال لهم عن ربهم ، وهذا وضع لهم في مقام المخاطبة من الله وهي درجة عظيمة. وحذفت ياء المتكلم المضاف إليها (عِبادِ) وهو استعمال كثير في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم.
وقرأه العشرة (يا عِبادِ) بدون ياء في الوصل والوقف كما في «إبراز المعاني» لأبي شامة وكما في «الدرة المضيئة» في القراءات الثلاث المتممة للعشر لعلي الضباع المصري ، بخلاف قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الزمر : ٥٣] الآتي في هذه السورة ، فالمخالفة بينهما مجرد تفنن. وقد يوجه هذا التخالف بأن المخاطبين في هذه الآية هم عباد الله المتقون ، فانتسابهم إلى الله مقرر فاستغني عن إظهار ضمير الجلالة في إضافتهم إليه ، بخلاف الآية الآتية ، فليس في كلمة (يا عِبادِ) من هذه الآية إلّا وجه واحد باتفاق العشرة ولذلك كتبها كتّاب المصحف بدون ياء بعد الدال.
وما وقع في «تفسير ابن عطية» من قوله : وقرأ جمهور القراء (قُلْ يا عِبادِيَ) بفتح الياء. وقرأ أبو عمرو أيضا وعاصم والأعشى وابن كثير (يا عِبادِ) بغير ياء في الوصل ا ه. سهو ، وإنما اختلف القراء في الآية الآتية (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) في هذه السورة [٥٣] فإنها ثبتت فيه ياء المتكلم فاختلفوا كما سنذكره.
والأمر بالتقوى مراد به الدوام على المأمور به لأنهم متّقون من قبل ، وهو يشعر بأنهم قد نزل بهم من الأذى في الدين ما يخشى عليهم معه أن يقصّروا في تقواهم. وهذا الأمر تمهيد لما سيوجه إليهم من أمرهم بالهجرة للسلامة من الأذى في دينهم ، وهو ما عرض به في قوله تعالى : (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ).
وفي استحضارهم بالموصول وصلته إيماء إلى أن تقرر إيمانهم مما يقتضي التقوى والامتثال للمهاجرة. وجملة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) وما عطف عليها استئناف بياني لأن إيراد الأمر بالتقوى للمتصفين بها يثير سؤال سائل عن المقصود من ذلك الأمر فأريد بيانه بقوله : (أَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) ، ولكن جعل قوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) تمهيدا له لقصد تعجيل التكفل لهم بموافقة الحسنى في هجرتهم. ويجوز أن تكون جملة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) مسوقة مساق التعليل للأمر بالتقوى الواقع بعدها.
والمراد بالذين أحسنوا : الذين اتقوا الله وهم المؤمنون الموصوفون بما تقدم من قوله : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) [الزمر : ٩] الآية ، لأن تلك الخصال تدل على الإحسان المفسر بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ، فعدل عن التعبير بضمير