قرينة قوله : (عِبادَهُ) تدل على أن المنادين جميع العباد ، ففرق بينه وبين نحو (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) [الزخرف : ٦٨].
(يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) تفريع وتعقيب لجملة (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) لأن التخويف مؤذن بأن العذاب أعد لأهل العصيان فناسب أن يعقب بأمر الناس بالتقوى للتفادي من العذاب.
وقدم النداء على التفريع مع أن مقتضى الظاهر تأخيره عنه كقوله تعالى : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) في سورة البقرة [١٩٧] لأن المقام هنا مقام تحذير وترهيب ، فهو جدير باسترعاء ألباب المخاطبين إلى ما سيرد من بعد من التفريع على التخويف بخلاف آية البقرة فإنها في سياق الترغيب في إكمال أعمال الحج والتزود للآخرة فلذلك جاء الأمر بالتقوى فيها معطوفا بالواو.
وحذفت ياء المتكلم من قوله : (يا عِبادِ) على أحد وجوه خمسة في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم.
[١٧ ـ ١٨] (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨))
لما انتهى تهديد المشركين وموعظة الخلائق أجمعين ثني عنان الخطاب إلى جانب المؤمنين فيما يختص بهم من البشارة مقابلة لنذارة المشركين. والجملة معطوفة على جملة (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) [غافر : ١٥] الآية.
والتعبير عن المؤمنين ب ـ (الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) لما في الصلة من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو (لَهُمُ الْبُشْرى) ، وهذا مقابل قوله : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) [الزمر : ١٦].
والطاغوت : مصدر أو اسم مصدر طغا على وزن فعلوت بتحريك العين بوزن رحموت وملوكت. وفي أصله لغتان الواو والياء لقولهم : طغا طغوا مثل علوّ ، وقولهم : طغوان وطغيان. وظاهر «القاموس» أنه واوي ، وإذ كانت لامه حرف علة ووقعت بعدها واو زنة فعلوت استثقلت الضمة عليها فقدموها على العين ليتأتّى قلبها ألفا حيث تحركت وانفتح ما