سورة فاطر [٢٧ ، ٢٨]. واختلاف ألوان الزرع بالمعنى الأول أن لكل نوع من الزرع لونا ولنورها ألوانا ولكل صنف من الزرع ألوان مختلفة في أطوار نباته وبلوغه أشدّه ، وهذا الاختلاف مع اتّحاد الأرض التي تنبت فيها واتحاد الماء الذي نبت به آية خامسة على عظيم القدرة والانفراد بالتصرف.
ومعنى (يَهِيجُ) يغلظ ويرتفع. وحقيقة الهياج : ثورة الإنسان أو الحيوان ، ويستعار الهياج لشدة الشيء من غير الحيوان يقال : هاجت ريح ، ومنه هياج الزرع في الآية لأن الزرع تطول سوقه وسنابله فيتم جفافه فإذا تحرك بمرور الريح عليه صار له حفيف وخشخشة سواء في ذلك الحب والكلأ وهذا الطور آية سادسة على الوحدانية.
والحطام : المحطوم ، أي المكسور المفتوت ، ووزن فعال (بضم الفاء) يدل على المفعول كالفتات والدقاق ، ومثله الفعالة كالصبابة والقلامة والقمامة. والمعنى : أنه يبلغ من اليبس إلى حد أن يتحطم ويتكسر بحك بعضه بعضا وتساقطه وكسر الريح إياه. وهذا الطور آية سابعة على قدرة الله. وجميعها آيات على دقة صنعه وكيف أودع الأطوار الكثيرة في الشيء الواحد يخلف بعضها بعضا من طور وجوده إلى طور اضمحلاله.
وجملة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) مبيّنة للاستفهام التقريري وفذلكة للأطوار المستفهم عنها ، فالإشارة بذلك إلى المذكور من الإنزال إلى آخر الأطوار.
والمراد : ذكرى بالدلالة على ما يغفل عنه العاقل. ويجوز أن تكون الذكرى لما يذهل عنه العاقل مما تشتمل عليه هذه الأحوال من مبدئها إلى منتهاها. فمن ذلك أنها تصلح مثالا لتقريب البعث فإن إنزال الماء على الأرض وإنباتها بسببه أمر يتجدد بعد أن صار ما عليها من النبات حطاما ، وتخللت زراريعه الأرض فنبتت مرة أخرى بنزول الماء ، فكذلك يعود الإنسان بعد فنائه كما أشار إليه قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) [نوح : ١٧ ، ١٨] فتتضمن الآية إدماج تقريب البعث وإمكانه مع الاستدلال على انفراد الله تعالى بالتصرف ، ومن ذلك أنها تصلح مثلا للحياة الدنيا كما في آية سورة يونس وفي سورة الكهف ، والمقصود : تشبيه الحالة بالحالة فلا يعتبر التجوز في مفردات هذا المركب بأن يطلب لكل طور من أطوار الدنيا طور يشتبه به من أطوار النبات. ومنها أنها مثل لأطوار الإنسان من طور النطف إلى الشباب إلى الشيخوخة ثم الهلاك ، والمقصود تشبيه الحالة بالحالة مع إمكان توزيع تشبيه كل طور من أطوار الحالة المشبهة بطور من أطوار الحالة المشبه بها وهو أكمل أنواع التمثيلية.