وأولي الألباب هم الذين ينتفعون بألبابهم فيهتدون بما نصب لهم من الأدلة ، كما تقدم آنفا في قوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الزمر : ٩] ، وهم الذين استدلوا فآمنوا. وفي هذا تعريض بأن الذين لم يستفيدوا من الأدلة بمنزلة من عدموا العقول.
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢))
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ).
تفريع على ما تقدم من قوله : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ) [الزمر : ٢٠] وما ألحق به من تمثيل حالهم في الانتفاع بالقرآن فرع عليه هذا الاستفهام التقريري.
و (من) موصلة مبتدأ ، والخبر محذوف دل عليه قوله : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) مما اقتضاه حرف الاستدراك من مخالفة حالة لحال من حق عليه كلمة العذاب.
والتقدير : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه مثل الذي حقّ عليه كلمة العذاب فهو في ظلمة الكفر ، أو تقديره : مثل من قسا قلبه بدلالة قوله : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) ، وهذا من دلالة اللاحق.
وشرح الصدر للإسلام استعارة لقبول العقل هدي الإسلام ومحبّته. وحقيقة الشرح أنه : شق اللحم ، ومنه سمي علم مشاهدة باطن الأسباب وتركيبه علم التشريح لتوقفه على شق الجلد واللحم والاطلاع على ما تحت ذلك. ولما كان الإنسان إذا تحير وتردد في أمر يجدّ في نفسه غما يتأثر منه جهازه العصبي فيظهر تأثره في انضغاط نفسه حتى يصير تنفسه عسيرا ويكثر تنهده وكان عضو التنفس في الصدر ، شبه ذلك الانضغاط بالضيق والانطباق فقالوا : ضاق صدره ، قال تعالى عن موسى : (وَيَضِيقُ صَدْرِي) [الشعراء : ١٣] ، وقالوا : انطبق صدره وانطبقت أضلاعه وقالوا في ضد ذلك : شرح الله صدره ، وجمع بينهما قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) في سورة الأنعام [١٢٥] ، ومنه قولهم : فلان في انشراح ، أي يحس كأن صدره شرح ووسع.
ومن رشاقة ألفاظ القرآن إيثار كلمة (شَرَحَ) للدلالة على قبول الإسلام لأن تعاليم الإسلام وأخلاقه وآدابه تكسب المسلم فرحا بحاله ومسرة برضى ربه واستخفافا للمصائب والكوارث لجزمه بأنه على حق في أمره وأنه مثاب على ضره وأنه راج رحمة ربه في