الدنيا والآخرة ولعدم مخالطة الشك والحيرة ضميره.
فإن المؤمن أول ما يؤمن بأن الله واحد وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم رسوله ينشرح صدره بأنه ارتفع درجات عن الحالة التي كان عليها حالة الشرك إن اجتنب عبادة أحجار هو أشرف منها ومعظم ممتلكاته أشرف منها كفرسه وجمله وعبده وأمته وماشيته ونخله ، فشعر بعزة نفسه مرتفعا عما انكشف له من مهانتها السابقة التي غسلها عنه الإسلام ، ثم أصبح يقرأ القرآن وينطق عن الحكمة ويتسم بمكارم الأخلاق وأصالة الرأي ومحبة فعل الخير لوجه الله لا للرياء والسمعة ، ولا ينطوي باطنه على غلّ ولا حسد ولا كراهية في ذات الله وأصبح يعد المسلمين لنفسه إخوانا ، وقد ترك الاكتساب بالغارة والميسر ، واستغنى بالقناعة عن الضراعة إلا إلى الله تعالى ، وإذا مسه ضر رجا زواله ولم ييأس من تغير حاله. وأيقن أنه مثاب على تحمله وصبره ، وإذا مسته نعمة حمد ربه وترقب المزيد ، فكان صدره منشرحا بالإسلام متلقيا الحوادث باستبصار غير هياب شجاع القلب عزيز النفس.
واللام في (لِلْإِسْلامِ) لام العلة ، أي شرحه لأجل الإسلام ، أي لأجل قبوله. وفرع على أن شرح الله صدره للإسلام قوله تعالى : (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) فالضمير عائد إلى (مِنْ).
والنور : مستعار للهدى ووضوح الحق لأن النور به تنجلي الأشياء ويخرج المبصر من غياهب الضلالة وتردد اللبس بين الحقائق والأشباح.
واستعيرت (عَلى) استعارة تبعية أو تمثيلية للتمكن من النور كما استعيرت في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] على الوجهين المقررين هنالك. و (مِنْ رَبِّهِ) نعت ل ـ (نُورٍ) و (مِنْ) ابتدائية ، أي نور موصوف بأنه جاء به من عند الله فهو نور كامل لا تخالطه ظلمة ، وهو النور الذي أضيف إلى اسم الله في قوله تعالى: (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) في سورة النور [٣٥].
(فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
فرع على وصف حال من شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ، ما يدل على حال ضده وهم الذين لم يشرح الله صدورهم للإسلام فكانت لقلوبهم قساوة فطروا عليها فلا تسلك دعوة الخير إلى قلوبهم. وأجمل سوء حالهم بما تدل عليه كلمة (فَوَيْلٌ) من بلوغهم أقصى غايات الشقاوة والتعاسة ، وقد تقدم تفصيل معانيه عند قوله تعالى :