وجاء فعل (وَقِيلَ) بصيغة المضيّ وهو واقع في المستقبل لأنه لتحقق وقوعه نزل منزلة فعل مضى. ويجوز أن يكون جملة (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ) في موضع الحال بتقدير (قد) ولذلك لا يحتاج إلى تأويل صيغة المضيّ على معنى الأمر المحقق وقوعه.
والذوق : مستعار لإحساس ظاهر الجسد لأن إحساس الذوق باللسان أشد من إحساس ظاهر الجلد فوجه الشبه قوة الجنس.
والمذوق : هو العذاب فهو جزاء ما اكتسبوه في الدنيا من الشرك وشرائعه ، فجعل المذوق نفس ما كانوا يكسبون مبالغة مشيرة إلى أن الجزاء وفق أعمالهم وأن الله عادل في تعذيبهم.
وأوثر (تَكْسِبُونَ) على (تعملون) لأن خطابهم كان في حال اتقائهم سوء العذاب ولا يخلو حال المعذّب من التبرم الذي هو كالإنكار على معذّبه. فجيء بالصلة الدالة على أن ما ذاقوه جزاء ما اكتسبوه قطعا لتبرمهم.
[٢٥ ـ ٢٦] (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦))
استئناف بياني لأن ما ذكر قبله من مصير المشركين إلى سوء العذاب يوم القيامة ويوم يقال للظالمين هم وأمثالهم : (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [الزمر : ٢٤] ، يثير في نفوس المؤمنين سؤالا عن تمتع المشركين بالنعمة في الدنيا ويتمنون أن يجعل لهم العذاب فكان جوابا عن ذلك قوله : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) ، أي هم مظنة أن يأتيهم العذاب كما أتى العذاب الذين من قبلهم إذ أتاهم العذاب في الدنيا بدون إنذار غير مترقبين مجيئه ، على نحو قوله تعالى : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) [يونس : ١٠٢] ، فكان عذاب الدنيا خزيا يخزي به الله من يشاء من الظالمين ، وأما عذاب الآخرة فجزاء يجزي به الله الظالمين على ظلمهم.
والفاء في قوله : (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ) دالّة على تسبب التكذيب في إتيان العذاب إليهم فلما ساواهم مشركو العرب في تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم كان سبب حلول العذاب بأولئك موجودا فيهم فهو منذر بأنهم يحلّ بهم مثل ما حلّ بأولئك.
وضمير (مِنْ قَبْلِهِمْ) عائد على (فَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) [الزمر : ٢٤] باعتبار أن معنى (من) جمع. وفي هذا تعريض بإنذار المشركين بعذاب يحلّ بهم في الدنيا وهو