للعموم العرفي ، أي المتوكلون الحقيقيون إذ لا عبرة بغيرهم.
ويجوز أن تكون من كلام الله تعالى خاطب به رسوله صلىاللهعليهوسلم ولم يأمره بأن يقوله فتكون الجملة تعليلا للأمر بقول : (حَسْبِيَ اللهُ) ، أي اجعل الله حسبك ، لأن أهل التوكل يتوكلون على الله دون غيره وهم الرسل والصالحون وإذ قد كنت من رفيقهم فكن مثلهم في ذلك على نحو قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠]. وتقديم المجرور على (يَتَوَكَّلُ) لإفادة الاختصاص لأن أهل التوكل الحقيقيين لا يتوكلون إلا على الله تعالى ، وذلك تعريض بالمشركين إذ اعتمدوا في أمورهم على أصنامهم.
[٣٩ ـ ٤٠] (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠))
لما أبلغهم الله من الموعظة أقصى مبلغ ، ونصب لهم من الحجج أسطع حجة ، وثبّت رسوله صلىاللهعليهوسلم أرسخ تثبيت ، لا جرم أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يوادعهم موادعة مستقرب النصر ، ويواعدهم ما أعد لهم من خسر.
وعدم عطف جملة (قُلْ) هذه على جملة (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) [الزمر : ٣٨] لدفع توهم أن يكون أمره (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) لقصد إبلاغه إلى المشركين نظير ترك العطف في البيت المشهور في علم المعاني :
وتظن سلمى أنني أبغي بها |
|
بدلا أراها في الضلال تهيم |
لم يعطف جملة : أراها في الضلال ، لئلا يتوهم أنها معطوفة على جملة : أبغي بها بدلا ، ولأنها انتقال من غرض الدعوة والمحاجّة إلى غرض التهديد. وابتدأ المقول بالنداء بوصف القوم لما يشعر به من الترقيق لحالهم والأسف على ضلالهم لأن كونهم قومه يقتضي أن لا يدخرهم نصحا.
والمكانة : المكان ، وتأنيثه روعي فيه معنى البقعة ، استعير للحالة المحيطة بصاحبها إحاطة المكان بالكائن فيه. والمعنى : اعملوا على طريقتكم وحالكم من عداوتي ، وتقدم نظيره في سورة الأنعام [١٣٥].
وقرأ الجمهور (مَكانَتِكُمْ) بصيغة المفرد. وقرأ أبو بكر عن عاصم مكاناتكم بصيغة الجمع بألف وتاء.
وقال تعالى هنا : (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) ليكون التهديد بعذاب خزي في الدنيا