والباء للملابسة ، واللام في (لِلنَّاسِ) للعلة ، أي لأجل الناس. وفي الكلام مضاف مفهوم مما تؤذن به اللام من معنى الفائدة والنفع أي لنفع الناس ، أو مما يؤذن به التفريع في قوله : (فَمَنِ اهْتَدى) إلخ. وفاء (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) للتفريع وهو تفريع ناشئ من معنى اللام. و (من) شرطية ، أي من حصل منه الاهتداء في المستقبل فإن اهتداءه لفائدة نفسه لا غير ، أي ليست لك من اهتدائه فائدة لذاتك لأن فائدة الرسول صلىاللهعليهوسلم (وهي شرفه وأجره) ثابتة عن التبليغ سواء اهتدى من اهتدى وضل من ضل.
وتقدم نظير هذه الآية في قوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) آخر سورة يونس [١٠٨] ، وفي قوله : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) في آخر سورة النمل [٩١ ، ٩٢] ، ولكن جيء في تينك الآيتين بصيغة قصر الاهتداء على نفس المهتدي وترك ذلك في هذه السورة ، ووجه ذلك أن تينك الآيتين واردتان بالأمر بمخاطبة المشركين فكان المقام فيهما مناسبا لإفادة أن فائدة اهتدائهم لا تعود إلا لأنفسهم ، أي ليست لي منفعة من اهتدائهم ، خلافا لهذه الآية فإنها خطاب موجه من الله إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم ليس فيها حال من ينزل منزلة المدل باهتدائه.
أما قوله : (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) فصيغة القصر فيه لتنزيل الرسول صلىاللهعليهوسلم في أسفه على ضلالهم المفضي بهم إلى العذاب منزلة من يعود عليه من ضلالهم ضر ، فخوطب بصيغة القصر ، وهو قصر قلب على خلاف مقتضى الظاهر. ولذلك اتّحدت الآيات الثلاث في الاشتمال على القصر بالنسبة لجانب ضلالهم فإن قوله في سورة النمل [٩٢] (فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) في معنى : (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ، أي ليس ضلالكم عليّ فإنما أنا من المنذرين. وهذه نكت من دقائق إعجاز القرآن.
وقوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) القول فيه كالقول في (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) في سورة يونس [١٠٨]. وجملة و (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) عطف على جملة (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) أي لست مأمورا بإرغامهم على الاهتداء ، فصيغ هذا الخبر في جملة اسمية للدلالة على ثبات حكم هذا النفي.
(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢))