وصف به القرآن من الصفات التي شأنها أن تقربهم إلى تلقيه لا أن يبعدوا ويعرضوا وقد جاء بالتفصيل بأقوالهم التي حرمتهم من الانتفاع بالقرآن واحدا واحدا كما ستعلمه.
والمراد بالقلوب : العقول ، حكي بمصطلح كلامهم قولهم إذ يطلقون القلب على العقل.
والأكنة : جمع كنان مثل : غطاء وأغطية وزنا ومعنى ، أثبتت لقلوبهم أغطية على طريقة التخييل ، وشبهت القلوب بالأشياء المغطّاة على طريقة الاستعارة المكنية. ووجه الشبه حيلولة وصول الدعوة إلى عقولهم كما يحول الغطاء والغلاف دون تناول ما تحته. وما يدعوهم إليه يعم كل ما دعاهم إليه من المدلولات وأدلتها ، ومنها دلالة معجزة القرآن وما تتضمنه من دلالة أمية الرسول صلىاللهعليهوسلم من نحو قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [العنكبوت : ٤٨].
وجعلت القلوب في أكنة لإفادة حرف (فِي) معنى إحاطة الظرف بالمظروف. وكذلك جعل الوقر في القلوب لإفادة تغلغله في إدراكهم.
و (من) في قوله : (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) بمعنى (عن) مثل قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٢] وقوله : (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) [الأنبياء : ٩٧] ، والمعنى : قلوبنا في أكنة فهي بعيدة عما تدعونا إليه لا ينفذ إليها.
والوقر بفتح الواو : ثقل السمع وهو الصمم ، وكأنّ اللغة أخذته من الوقر بكسر الواو ، وهو الحمل لأنه يثقل الدّابة عن التحرك ، فأطلقوه على عدم تحرك السمع عند قرع الصوت المسموع ، وشاع ذلك حتى ساوى الحقيقة ففتحوا له الواو تفرقة بين الحقيقة والمجاز ، كما فرقوا بين العضّ الحقيقي وعظّ الدهر بأن صيروا ضاده ظاء. وقد تقدم ذكر الأكنة والوقر في قوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) في الأنعام [٢٥] وفي سورة الإسراء [٤٦].
والحجاب : الساتر للمرئيّ من حائط أو ثوب. أطلقوا اسم الحجاب على ما يمنع نفوسهم أن يأخذوا بالدين الذي جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم من كراهية دينه وتجافي تقلده بجامع أن الحجاب يحول بين الرائي والمرئيّ فلا ينظر أحدهما الآخر ولا يصل إليه ، ومرادهم البراءة منه. مثل نبوّ قلوبهم عن تقبّل الإسلام واعتقاده بحال ما هو في أكنّة ، وعدم تأثر أسماعهم بدعوته بصم الآذان ، وعدم التقارب بين ما هم عليه وما هو عليه بالحجاب